كلمة البعث

هل المسألة لعبة عض أصابع؟

 د. عبد اللطيف عمران

هناك الآن تساؤل مهم حول أسباب اتساع ميدان مشاعر القلق والتوتر الشعبي في سورية، بشكل أكبر بكثير من ميدان الصدام والمواجهة مع عصابات التخريب والإجرام!

هذه العصابات التي تنحصر في نطاق ضيق من مساحة الوطن المنيع دائماً بوعي الشعب ووحدته وتمسكه

بمصالح الوطن وحقوق الأمة، والذي صار له تجربة نضالية معروفة وعريقة في التصدي للمؤامرات التي تستهدف مبادئه ومعتقداته ورسالته الوطنية والعربية والإنسانية.

وفي الحقيقة فإن الأحداث الطارئة في سورية والمنطقة هي تحولات مفاجئة باغتت المؤسسات الأكاديمية والأمنية ومراكز الدراسات، وقد استفادت من التواصل الالكتروني الذي تجاوز المسألة التنظيمية في الأحزاب والمؤسسات، وهيّأ الظروفَ المناسبة لهذا التجاوز الدورُ الخطير الذي يلعبه النظام الدولي بقواه المهيمنة، والذي يتأسس على العوامل الخارجية، قبل الداخلية.

ومن المعروف اليوم أن ما كان يمكن أن يُسمى صحوة عربية، صار الآن عرضة لاختطاف غربي جيوسياسي، حيث يتصاعد الاجتهاد الغربي لزعزعة استقرار المنطقة، واللعب بمقدراتها وبمصائر وإرادة شعوبها، وقد أوضح هذا دايموندو المحلل السياسي الأمريكي، صاحب كتاب: ليبراليون يقرعون طبول الحرب، فتحدث بتحليل دقيق مؤخراً عن «هذا النوع من الجهد الذي يبذل حالياً ضد سورية، فالرئيس الأسد على حق عندما يتحدث عن مؤامرة خارجية».

ويأتي تصريح وكلية وزارة الدفاع الأمريكية الأخير دليلاً على هذا، حيث الطلب المباشر من سورية بتغيير سياستها الخارجية، والانتقال الى نسق يدعم المشروع الصهيوأمريكي، وإلى دور إقليمي يتناقض مع المشروع الوطني والعروبي. هذا التصريح مفاجئ أيضاً لأنه لم يصدر عن الخارجية الأمريكية، ولا من البيت الأبيض كما هو معهود في حالات كهذه، بل من البنتاغون، وفي هذا إشارة الى مدى الاستهداف، والقلق الغربي الكبير من الدور الإقليمي الفاعل الذي نهضت به سورية في سياسة التكامل الإقليمي، وترسيخ الصداقة والتعاون بين شعوب البحار الخمسة، وهو أيضاً رد على دعم سورية لحقوق الشعب والأمة، ودعم مقاومة العدوان والاحتلال والتدخل الأجنبي، ومقاومة الاستسلام والتطبيع والتفريط.
وبالتوازي، وعلى الصعيد الداخلي، هو رد على مسيرة الإصلاح والتنمية التي شهدتها سورية في العقد الأخير رغم المعوقات والتحديات، وتشهد على ذلك تطوّر أرقام إحصاءات عدد المدارس والجامعات والمستشفيات والمصارف والمؤسسات.. العامة والخاصة، وكذلك ارتفاع مستويات الدخل ووسائل المعيشة الضرورية والكمالية.. إضافة الى منجزات القيادة السياسية المستمرة في الإصلاح والتنمية.

إن دراسة النسق الاجتماعي والسياسي والشعبي لما يجري في سورية تبيّن أننا أمام نوع جديد من الفتنة والتحريض والإجرام، لم تظهر له بعد قيادة فردية، ولا إيديولوجيا، ولا مطالب واضحة مشروعة مقابل حزمة الإصلاحات السريعة المنجزة، بل نحن أمام عصابات تخريب وقتل وحشي بعيدة كل البعد عن التطلّع الى مشروع نهوض وطني قادر على التفاعل والتواصل الاجتماعي مع أطياف المجتمع السوري.
وهذا ما ترفضه جموع الشعب لتعارضه مع ما هو معهود من وعي وحيوية والتزام أخلاقي ووطني يصدر عن طاقة كامنة في أعماق المجتمع، هذه الطاقة الشريفة التي ستتصدى، وهي الآن تطالب بقوة وجاهزية للتصدي والمواجهة والضرب السريع والمؤلم على أيدي العصاة والمجرمين.

إذن علينا أن نجدّد ثقتنا بأنفسنا وبمجتمعنا، وبقيادتنا السياسية، وبمشروع الرئيس الأسد الذي تغلّبت معه سورية على التحديات والضغوط العديدة بأبعادها الخارجية والداخلية.

وفي لعبة عض الأصابع سيصرخ أولاً الجناة، وستندحر فلولهم القليلة والضعيفة. وفي هذه اللعبة أيضاً سيعضّ هؤلاء الأصابع قريباً ندماً وخزياً وعاراً لايزول، فرهان الشعب دائماً على المستقبل المستنير، وعلى الحضارة والمدنية، وعلى الإخوّة والحوار، فالعودة الى الوراء، الى التخلف والرجعية والفتنة مستحيلة. فلنمضِ في ترسيخ مجد سورية العروبة والتاريخ بالحب والحوار والتسامح والتعالي عن الجراح، ولنترك إعلام غرف العمليات والتحريض، فأمام الجميع ما يتيح ذلك، وهذه سورية.