كلمة البعث

الإفلاس السياسي.. والأخلاقي أيضاً

د. عبد اللطيف عمران

ينطلق عمل الغرب وسعيه الحثيث للتدخل في شؤون المنطقة، وسورية بثقلها الجيوسياسي، من حالة إفلاس سياسي واقتصادي أفضت إلى استمرار العمل على زعزعة استقرار الشرق الأوسط، من خلال نظريات وبرامج “الشرق الأوسط الجديد، الفوضى البنّاءة، الربيع العربي…” فتضافرت سياسة الغرب الاستعماري مع الإيديولوجيا الصهيونية بشكل لا أخلاقي سيضرّ بالغرب وبالشرق، ويزيد من توتر العلاقة الإشكالية بينهما.

وفي الواقع فإن سياسة التدخل السافر التي ينتهجها الغرب تشهد اليوم انعطافاً خطيراً، يتمثّل في متغيرّ راهن يتجاوز استهداف الأنظمة «الوطنية» التي وصلت إلى الحكم بعد المخاض الطويل والمستمر لحركات التحرر الوطني العربية، ليصل الاستهداف إلى الإرادة الشعبية بما يتصل بها من وعي وانتماء ومصالح، ويتم استهداف هذه الإرادة بوسائل عديد تقوم على التدخل المباشر من خلال الضخ الإعلامي وتزوير الحقائق، واستلاب الوعي، واستئجار أشخاص، وسياسات، وحركات يتم تسخيرها لضرب المصالح الوطنية والعربية الحقيقية المتناقضة مع مصالح الغرب وإسرائيل.

وقد وصل هذا الاستهداف إلى الإعلام، والثقافة، والحراك الشعبي والسياسي، فوقع بعض المثقفين العرب في فخّ تكرار الكتابة عن «الربيع العربي» وهم يشهدون بأم أعينهم خريفاً مؤلماً، وواقعاً عربياً عصيباً شعبياً ورسمياً، يتم العمل خلاله على سايكس بيكو جديد في ظروف تقهقر المشروع القومي العربي «لا الفكر» تقهقراً يذكّر بالسياسات الغربية الناجمة عن وضع الرجل المريض في مطلع القرن الماضي، تلك السياسات التي ترى في الواقع العربي الراهن رجلاً مريضاً ثانياً، دون أن تنسى الرجل المريض الأول الذي يظن بعض الأخوة الأتراك أنه منسي في استراتيجيات الغرب الاستعماري الآن.

ومع الأزمة المالية العالمية المستمرة منذ ثلاث سنوات، تتابع اليوم سلسلة الانهيار الاقتصادي الغربي، والاعتصامات والاحتجاجات، وأزمة اليورو، بما لا قدرة للغرب معها على متابعة مسيرة الرخاء والرفاهية والنمو المعهودة، فكان على الغرب الهرب إلى الأمام بتصدير الأزمات، والعودة إلى الاستعمار بشكل جديد أكثر خبثاً وإرهاقاً، ينطلق من التسلط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ومجلس الأمن… وصولاً إلى الانقضاض على الأنظمة الرسمية في المنطقة، وعلى الإرادة والمصالح الوطنية والشعبية فيها.

ومن هنا كان الفيتو الروسي والصيني الأخير نقطة انعطاف كبير في السياسة الدولية والتاريخ المعاصر ليس لصالح سورية رسمياً وشعبياً فحسب، بل يمكن تطوير الإفادة منه لصالح شعوب المنطقة ضد منعكسات حالة الإفلاس في الغرب.

ومشاهد الإفلاس السياسي والأخلاقي الغربية عديدة اليوم، ولا يمكن حصرها وأهمها: الضياع الاستراتيجي الرخيص في السياسة الفرنسية، وفي السياسة الأمريكية أيضاً، فالطرفان يهنّئان إسرائيل بتحرير شاليط ويتنكّران لمعاناة مئات الأسرى الفلسطينيين، وكلينتون تطالب بالقذافي حياً أو ميتاً قبل يومين من قتله، ثم تطالب فجأة بالتحقيق في القتل. وكذلك الصحف البريطانية والأمريكية تتندّر على الاتهام الأمريكي لإيران باستهداف السفير السعودي، في الوقت الذي تنقل فيه صحيفة الحياة في 13 الجاري ص21 تعليقات «الشباب السعوديين الساخرة من أن إيران هي سبب المشاكل في الازدحام المروري في المدن السعودية.. وفي عدم حصول نادي النصر السعودي على بطولات». وكذلك الأمر في مناهضة الغرب لحركة التنوير والتحرر العربية، ودعمه «ربيعاً» يسفر عن تقدم حضور الإسلاميين. إنه أكبر من إفلاس، بل نفاق وتآمر.

هذه الحالة تتطلّب منا جميعاً عرباً وسوريين، رسمياً وشعبياً، أن نتيقّن اليوم من أن السياسة السورية بمبادئها وثوابتها تنطلق من رصيد غني سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً، يتمثّل في إطلاق آفاق الحوار الوطني الداعم لمشروع الإصلاح، والترحيب بالمعارضة الوطنية وبالجهود العربية المخلصة، ترحيباً تراهن معه المعارضة غير الوطنية والعصابات المسلحة على حالة الإفلاس الغربية، رهاناً سيودي بها إلى الإفلاس السياسي والشعبي والديني والأخلاقي.