كلمة البعث

ليس جديداً.. وسورية ستنتصر

د. عبد اللطيف عمران

لم يكن قرار مجلس الجامعة العربية مفاجأة كبرى، فقد أتى في سياق انهيار المشروع القومي العربي، والانقضاض المتواصل عليه من قبل قوى عربية ودولية، فماتزال الجامعة العربية تاريخاً ومؤسسة ومقررات مشروعاً ملتبساً أمام الفكر القومي، والعمل العربي المشترك، شأنها في هذا شأن عدد من منظمات المجتمع الدولي، ولاسيما الأمم المتحدة.

وبالعكس فهذا القرار، الذي لم يأت من فراغ، وفّر على سورية وقتاً وترقّباً وخطوات عديدة لم تكن تراهن خلالها رهاناً خاسراً كغيرها، بل كانت تريد أن تعطي للحل بعداً عروبياً مأمولاً. فمايزال لديها خيارات قويّة مؤجّلة، وإذا بدّد الآخرون هذا الأمل، فإن القول بأن القرار حقيقة لا يساوي الحبر الذي كتب فيه يتكئ على نقاط قوة استراتيجية عديدة ومعروفة تمتلكها سورية العروبة والتاريخ.

ومع الجهود المعروفة التي بذلتها سورية لتفعيل دور مؤسسات العمل العربي المشترك، ومنها إنجاح خطة العمل العربية، إلا أن الاختراق الغربي بقي مؤثراً وواضحاً في تاريخ الجامعة، مما أفضى إلى ضرر واضح على الشعب العربي والقضايا العربية المصيرية.

ورغم أن قرار مجلس الجامعة بالأمس لم يكن بالإجماع، وأُنجز على وجه التسرّع، والنوايا المسبقة، والارتهان للتوجهات الغربية والصهيونية، فإن المغالطات القانونية المقصودة، والنتائج التي تم التوصل إليها تؤكد أن مشروع القرار أُعد مسبقاً، ولم يوزّع ويتم الاطلاع عليه، فلا فاصل زمنياً كافياً للمناقشة بين تقرير اللجنة الوزارية وقرار مجلس الجامعة، وهو مخالفة غير عفوية لنظام الجامعة الذي ينص على إجماع الدول الأعضاء حين اتخاذ قرارات كهذا، وستؤكد الدراسات القانونية أبعاد هذا الخرق الفاضح لميثاق الجامعة، ولمهامها وأهدافها.

ولا شك في أن القرار خطر كبير على الأمن الوطني والقومي، وعلى العلاقات العربية الشعبية والرسمية، وهو أكثر من استعجال وتسرّع، إنه مؤامرة صريحة على دولة مؤسسة وفاعلة في الجامعة وفي سائر مؤسسات العمل العربي المشترك. ولن تقبل جماهير سورية، ومعها كل أحرار العرب والعالم هذا الاستهداف المأجور ضد سورية من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والمجتمعية. ولاسيما أن بنود القرار صبّت في اتجاه واحد، ولم تأخذ بالحسبان تداعيات كل بند ومنعكساته السلبية مرحلياً ومستقبلياً ليس على سورية فحسب.

وقد تغافل أصحاب القرار عن عدد من الحقائق أهمها أن الحل السياسي لم يفشل ومازال مشروعاً قوي الحضور في سورية، وكذلك مشروع الإصلاح الوطني الشامل، وتغافلوا أيضاً عن مخاطر تعليق العضوية رسمياً مع استقبال المعارضة في الوقت نفسه، وكذلك عن تلبية دعوة سورية لوفد عربي يطلع ميدانياً على الواقع، كما تغافلوا عن جرائم العصابات المسلحة المستمرة، وعن آثار التحريض الإعلامي والسياسي والاجتماعي والديني في عرقلة الحل الوطني، فكانوا طرفاً فاعلاً في تخريب الجامع والمجتمع والجامعة، والعروبة والإسلام، وهذه أمور تدركها جماهير سورية والعرب بصدق إحساسها ووعيها وانتمائها.

إنه رهان خاسر، طالما بدده وعي السوريين وحميّتهم وإدراكهم للمخاطر التي تتهدد الوطن والأمة، وسيقف شعب سورية بصلابة مع قيادته السياسية، ومعهم القوى الحية الشقيقة والصديقة ضد هذا المشروع التآمري الخطير والمبني أولاً على التواطؤ ضد شعب سورية ومصالح العرب وتطلعاتهم، والذي يأتي في سياق الانتصار للأجندة الغربية ولبروتوكولات حكماء صهيون، ولاسيما البروتوكول /15/ الذي يهدد مسبقاً المنطقة والعالم بهكذا «ثورات».

فسورية كانت قادرة بتلاحم شعبها وقيادتها السياسية على التصدي لهذا النسق من المشاريع تاريخياً، وستكون اليوم أقدر بثقلها الوطني والعروبي على التصدي لمنعكسات هذا القرار، وعلى العودة بالعمل العربي المشترك إلى مساره الصحيح.