كلمة البعث

العربي… واللا عربي

د. عبد اللطيف عمران

غداً سيعقد اجتماع للجامعة العربية دون حضور عربي سوري للمرة الثانية بعد اجتماع الرباط الذي غاب عنه قلب العروبة، مع حضور بديل أردوغاني إخواني متلبّس في تنسيق خطير يجابه نشأة الفكرة القومية العربية ومشروعها مجابهة تاريخية تتجدد الآن بطموح توسّعي خليجي – تركي – غربي.

ويأتي هذان الاجتماعان تتويجاً لاتصالات ومخططات عديدة مسبقة تستهدف ليس سورية فحسب بل العروبة والإسلام، وتمهيداً لاجتماعات قادمة تسعى الى تسييس العلاقات الاقتصادية، والرابطة الدينية، واضحة النوايا والنتائج لأنها تنطلق من استراتيجية معدة بإحكام – على حد زعم قراصنتها – لا تستهدف القيادة السياسية في سورية بقدر ما تستهدف مصالح الشعب، وقضايا الأمتين العربية والإسلامية.

واستخدام المنطق الرياضي في التحليل السياسي يؤكد هذا، فمتى كانت نتائج العمل العربي المشترك ولا سيما فيما يمسّ القضايا المصيرية الوطنية والعربية تسفر عن نتائج ترحّب بها أوروبا وأمريكا؟ ومتى رحّبت الجهتان بما يعارض المشروع الصهيوني ؟

ومتى كان للعمل العربي المشترك معنى بدون سورية، منبع المشروع القومي العربي وموطنه الأهم في صراعه التاريخي مع خصمين لدودين: الاحتلال العثماني والاستعمار الأوروبي، هذان الخصمان يشجعان اليوم على دفع الشارع العربي والإسلامي أيضاً نحو خيارات قاتلة تؤكد أن «الثورات» في أحيان كثيرة تقتل بل تأكل أبناءها، وها هي اليوم تجهز – في إطار الهدف المرسوم – على العيش المشترك، وعلى السلم الأهلي، وعلى المجتمع والدولة والمؤسسات، لتنبش تاريخاً مؤلماً من الأحقاد والفتن، وتعود بالأوطان والأمة حقيقة الى “العصر الحجري”.

انتصاراً للبرتوكول /15/ من برتوكولات حكماء صهيون وفهمه للثورة وللانقلاب.

وانطلاقاً من دعم سورية الدائم للرؤية العروبية استمرت في دعم وتصويب المبادرة العربية بشأنها، في الوقت الذي جنحت فيه أطراف المبادرة الى استزلام للغرب واستجداء للخارج، وتدويل، وتعجيز يناقض الرؤية العروبية، ومفهوم السيادة، وفي وقت نعرف فيه أن أحد المهرّبين من بلد عربي مجاور أنفق 20 مليون دولار، فقط لنقل عتاد اتصال إعلامي وعمل حربي، ومثله كثيرون. ومع هذا يسهل تجاهل ضرورة التنسيق مع الحكومة السورية لتوقيع بروتوكول تنفيذ بعض بنود المبادرة، ويأتي هذا لا شك في سياق الاستعجال نحو العقوبات والتدويل، ودعم مجلس اسطنبول لا غير.

إن الجامعة العربية المختزلة اليوم بمجلس التعاون الخليجي الموسّع مع المشروع الأردوغاني الإخواني تتابع مسيرة الانقضاض على المشروع القومي العربي، وعلى أدبيات التيارات القومية واليسارية والليبرالية، والإسلام التاريخي. لتنجز مشروعاً يناهض الوفاق الوطني، والاستقرار الإقليمي والدولي والإسلامي، وهذا الانقضاض واضح من المواقف التاريخية الإيجابية والمعارضة لعدد من رجال الدين الإسلامي والمسيحي، وللأصوات الحرّة والقوية التي نسمعها من الروس والصينيين والهنود والأفارقة وشعوب أمريكا الجنوبية، وهي تفضح المشاريع الرجعية والاستعمارية الغربية والصهيونية، تلك المواقف والأصوات التي يتجاهلها اليوم من يزعمون أنهم عرب ومسلمون.

وسورية التاريخ والحاضر تعرف أن لا قوة للعمل العربي المشترك دونها، ولا للجامعة، وهي الأقدر على تصويب العمل العربي، وتشذيب انحرافاته، وعلى تعزيزه، ولن تسمح بمصادرته وإلقائه جثة هامدة كما يعمل كثيرون اليوم، ولا سيما أن قيادتها السياسية تسير في نظام جديد بناء على مشروع إصلاح وطني ديمقراطي، يغدو الحديث معه عن إسقاط النظام حديثاً يستبطن نزعة رسولية تدفع الى رد السؤال على هؤلاء: هل يعرفون هم أيضاً اليوم الذي سيأتيهم ؟ وهم يمضون في مشروع غربي طالما استبّد ببلادهم، ويحوّلهم اليوم الى مجرد كيانات وظيفية تؤدي سياسات لا تنسجم مع مصالح الترك ولا العرب ولا المسلمين.

إن سورية اليوم ليست مهزومة، ولن تكون لعبة، وهي بوحدة شعبها وجيشها وقيادتها ستنتصر، وتعود لتنهض بدورها المبدئي في مجابهة المشاريع اللاعروبية.