كلمة البعث

هل نحن أمام أوّل 8 آذار جديد؟

د. عبد اللطيف عمران

كان الوعي الشعبي ناضجاً وقوياً، ومقترناً بالالتزام والانتماء، وبإرادة الجماهير التي تغلبت على سياسات الانفصال والتجزئة والرجعية والاستعمار، وهذا ماأدى الى نجاح ثورة الشعب وكافة القوى الوطنية التقدمية في الثامن من آذار 1963. وكان ذلك مواكباً لتقدّم حركة التحرر العربية في مشرق الوطن ومغربه.

وبقدر ماكانت الثورة إنجازاً وطنياً، كانت أيضاً دعماً للمشروع القومي، وللعلاقات مع المنظومة الاشتراكية في آسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية المناهضة للسياسات الاستعمارية والرجعية.

فقد استطاع حزب البعث العربي الاشتراكي بنشاط جماهيره الواسعة، وبفاعلية بنيته التنظيمية، وإعداد كوادره عقائدياً أن يمثّل ويستقطب  تطلعات القطاعات الأوسع من الشعب، وأن ينعكس هذا دوراً ريادياً في قيادة المجتمع والدولة، وفي دستورها وتشريعاتها تحقق جرّاءه للشعب وللوطن والأمة مكتسبات وإنجازات يطول الحديث عنها.

وليس صحيحاً أن البعث اختزل نتائج الثورة بامتياز دستوري تمثّل بالمحصلة في المادة الثامنة في الدستور السابق، أو بما يشابهها في الدساتير التي سبقت، فقد كانت هناك مجموعة أحزاب وقوى سياسية طامحة في تحقيق وجود قوي ومكتسبات تنظيمية وجماهيرية على الأرض، وحقُّ الحزب في أن يجتهد في السباق ويفوز فيه من خلال قاعدة شعبية تنظيمية عريضة بدأت في الاتساع والقوة والفاعلية مع مرور الأيام بسبب قدرته على المراجعة والحيوية في محطات تاريخية عديدة منها في 23 شباط 1966، و16 ت2 1970، إضافة الى التجديد والتطوير منذ عام 2000 وصولاً الى المضي قدماً في تنفيذ برنامج الإصلاح الوطني الشامل منذ عام مضى، وتنفيذاً لتوصيات المؤتمر القطري العاشر 2005.

واليوم لا شك في أن البعث أمام متغيّر جديد، وتحدٍّ مشروع ومهم لا يتمثل في غياب المادة الثامنة من الدستور السابق، ولا في نصوص قوانين الأحزاب والإعلام والانتخابات والإدارة المحلية التي تهدف الى إرساء تجربة وطنية ديمقراطية، وعقد اجتماعي مغاير لما مضى، فحسب، بل هو أمام واقع عربي جديد أيضاً تتبدى بعض تجلياته في تصاعد العمل وتنوع أساليبه وتعددها على تقويض المشروع القومي من خلال اقتران ازدياد النفوذ الأطلسي، بتقدم دور الرجعية العربية، وبالإسلام السياسي، وببروز أشكال جديدة من التجزئة المؤلمة أصبحت ناجزة في عدد من الدول العربية، وهذا ماسيعزز التناقض مع المشروع الصهيوني.

إذاً حزبنا اليوم ليس فقط أمام تحدٍّ أحادي الجانب ناجم عن أول 8 آذار جديد بعد عام 1963، فقد عبّرت كوادره وقيادته في اجتماع مهم في 17 آب 2011 عن تأييدها ودعمها لكامل خطوات مشروع الإصلاح، انطلاقاً من قناعة راسخة من أن هذا يعيد الحزب الى المجتمع بشكل أقوى، وأجدى من صلته بالحكم، لأن جماهيره تعرف المفرزات السلبية لهذه الصلة والتي كانت مثار جدال مستمر في كافة المؤتمرات والاجتماعات الحزبية، فالجميع يعرف أنّ ما من سلطة عادلة تماماً.

وكما أن الحزب أمام متغيرات، فسورية كلها كذلك، وهي متغيرات وكما هو واضح تصّب في خدمة مصالح الشعب، وفي تعزيز الوحدة  الوطنية، والتجربة الديمقراطية، وبناء دولة المؤسسات بناء أكثر تقدماً ورسوخاً وموضوعية، وهنا سيكون دوره أيضاً فاعلاً ومتجدداً، وغير متناقض أبداً مع مبادئه وأهدافه، وسيكون أكثر قدرة على الانتصار لقضايا الشعب والأمة، وعلى الانسجام مع تجديد حيوية المجتمع السياسي السوري على أسس وطنية وعروبية وتقدمية مناهضة لتمدّد التحالف الرجعي الامبريالي الجديد على الساحة العربية الذي يصادر ويزيّف حركة الشارع العربي الراهنة.

والحزب سيواجه بنجاح التحديات الناجمة عن الأزمة الداخلية من خلال نضاله، وخبرته في تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القواسم المشتركة بين أبناد الشعب، كما سيستمر في العمل على تبديد استهدافه، وعلى مواجهة المفرزات السلبية لتقدم الدور الخبيث للأنظمة الرجعية وللتدخل  الغربي في رسم خارطة جيوسياسية جديدة معادية لمصالح الأمة ومستقبل أجيالها، دور يبرز فيه عفن البترودولار السياسي القديم مجدداً، والمتورّم الآن نفاقاً وعمالة، والذي طالما ناهضته كافة الأحزاب والقوى الوطنية، والقومية واليسارية، هذه القوى التي ضعف حضورها مؤخراً أمام صراخ أردوغان وحمد والفيصل ومن في سربهم من مأجورين.

إننا حقيقة مع 8 آذار قديم، وجديد أكثر قوة وعزماً على العمل في سبيل وحدة المجتمع والأمة، ودعم قضايانا الوطنية والقومية ضد مايتهددها من تدخّل وتآمر وتضليل رجعي غربي، ولن نكون وحيدين لتطور فهمنا للتعددية والديمقراطية، فالأزمة الراهنة ستنجلي عن دور صاعد أكثر جدوى للقوى الوطنية والعروبية.