كلمة البعث

في النفاق على سورية

د. عبد اللطيف عمران

من المعروف أن صوت الحق لا ينكسر في المجتمعات الغربية، على الرغم من جهود الحكومات هناك لكسره وتغييبه، والأمر نفسه في المجتمعات العربية. فقد ارتفعت مؤخراً أصوات حرّة هناك وهنا تبيّن بالأدلة حجم التضليل والكذب والنفاق الموجّه والمموّل ضد سورية شعباً ونهجاً وقيادة، ويزداد هذا الاستهداف كلما تكشفت الحقائق، وحقق تلاحم الشعب والجيش مزيداً من النجاح في دحر المؤامرة والمتآمرين وكشف أدوات ووسائل النفاق والتضليل، ولا سيما أمام استمرار الاعترافات المشينة للعصابات المسلحة، هذه الاعترافات التي هي هدية من نار لحكومات النفاق. فعلى ماذا يراهن المنافقون؟ ومع من سيتفقون على حل وطني للمشاكل التي سببوها لسورية، وهم يعرفون أن لا حلّ إلا بالإسراع في تنفيذ خطوات مشروع الإصلاح الوطني، من خلال دعم خطواته مع القيادة السياسية، لامع الأطياف المشرذمة والتي أرهقها وأرهقهم استئجار أغلبها، فكانت الحصيلة غياب مشروع وطني داخلي بديل وفاعل – مع الإقرار بحضور رؤى معارضة وطنية رديفة -. ما يجعل إعطاء الفرصة الكافية لمشروع القيادة السياسية ضرورة موضوعية ووطنية وأخلاقية أيضاً. لذلك نحن اليوم أمام نفاق وتضليل يستهدف سورية، أمثلته كثيرة منها ما كتبه مدير تحرير لوموند ديبلوماتيك في افتتاحية العدد والذي يوضّح بدقة نفاق ساركوزي مع السعودية، وادعاءه منذ 2008 بأن حكامها يطوّرون “سياسة حضارية”، ثمّ تتكشّف الحقائق بعد أربع سنوات أن هذا البلد الذي يعمّه الفساد صار رأس حربة للفتنة في العالم الإسلامي بتحريضه المستمر للسلفيين، وبتمويل القنوات التلفزيونية التي تروّج للقراءات القروسطية للإسلام. ويأتي في هذا السياق ما نشره مؤخراً روبرت فيسك الصحفي البريطاني حول فهم السوريين الجيّد للنفاق الغربي الذي يتبنّى فرِحاً أوهام ساركوزي وكاميرون وكلنتون ودول الخليج الذين يطالبون بالديمقراطية لسورية ويرفضونها لشعوبهم… فهل يفكر حكام السعودية وقطر وهم يعملون على التسليح في سورية بالتنحّي؟ وبينما الأصدقاء المعتدلون في الخليج يرتجفون في مساجدهم المذهّبة يتركون للغرب مهمة تحديد مصيرهم، ويعقدون صفقات الأسلحة لجيوش لا تتقن في أحسن الأحوال إعداد وجبة حساء. أما في الواقع العربي فقد ارتفعت أصوات عروبية حرّة وطنية وقومية في مشرق الوطن ومغربه توضّح أبعاد النفاق المشترك وأدواته بين السلطات الأطلسية والعربية، والهدف ليس استهداف سورية فحسب، بل استهداف القضايا العربية المصيرية التي لا تتحقق إلا باستمرار رفد المشروع القومي، وثقافة المقاومة ونهجها، بأسباب القوة والمنعة والدعم. هذه الأصوات لا يمكن شراؤها بالبترودولار، وهي تلقى قبولاً وقناعة شعبية عربية بشكل متزايد، وتؤكّدها مصداقية الحديث عن سلسلة الفضائح المهنية والسياسية والأخلاقية للإعلام وللدبلوماسية السعودية والقطرية التي تعمل بوضاعة وخبث على مصادرة الإرادة والوعي، وتشويه الانتماء، واختزال الصراع الأساسي في المنطقة الى طموحات فردية قائمة بالمحصلة على الارتهان لكل ما يضرّ بالمصالح والقضايا الوطنية والقومية. فهؤلاء الذين لا يخجلون، ولا يؤلمهم أن تُثبت الوقائع أنهم أساس الفتنة في سورية، والمؤامرة على وحدة شعبها وأصالته ووعيه، يكلّلهم العار والخزي أمام سقوط أدواتهم واعترافات عصاباتهم بمصادر المال والسلاح والخطط الخبيثة والأفكار الهدّامة، كما يقضّ مضاجعهم تزايد الوعي الشعبي والإقليمي والدولي بحجم النفاق والتضليل المستمر. وهم متأكدون من أن هذا الوعي سيقترن عن قريب بالمراجعة والنقد، فيتكشّف الارتهان الأحمق لأخبث النوايا الموجّهة ضد سورية بأثرها وثقلها وحضورها الذي لن يغيب لرسوخه في وجدان الشارع العربي وأحرار العالم، فمن سيتحمل منهم الحقيقة، وكيف سيتصرفون وقد اكتسوا خزياً وعاراً وعمالة لاتزول ؟ ومع تقدم النجاح في إِحكام السيطرة على أدوات المؤامرة يتجدد الضغط على سورية، ويضيع الرجعيون والامبرياليون الجدد في رهاناتهم، وهم يدركون تهافت أدواتهم، واندحار عملائهم، فيعمدون الى قراءات مضللة لثقل سورية الجيوسياسي المستمر، ويرهقهم استمرار التماسك في المؤسسات والجيش والأحزاب والمنظمات والنقابات، وكذلك النجاح في تطبيق خطوات مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل. كما يذهلهم تمكّن القيادة السياسية من التعامل برؤية استراتيجية، وتحليل منطقي، ومواجهة مناسبة آنية ومستقبلية، مع خطوات المؤامرة المعلن منها والخفي، كما سيقلقهم أكثر تزايد الأوراق التي تمتلكها هذه القيادة تحت الطاولة وفوقها، والتي ستفاجئهم في وقت قريب، وتبارك لهم الانحياز الفاضح، والرهان الخاسر على العملاء الذين يفرّون أمام وحدة الشعب والجيش، وعلى المأجورين الذين استمرؤوا إنفاق البترودولار، والإقامة في حواضر الغرب وفنادقه استمراءً لا يتمكنون معه، وغير مسموح لهم جرّاءه بالحوار الوطني، ولا بالمراجعة الذاتية والموضوعية ولا الأخلاقية. إنه نفاق وخيانة لن ينفع معهما الندم، وستكون ساعة المراجعة قريبة وأليمة.