كلمة البعث

المهلة الزمنية.. واضطراب الأعداء

د. عبد اللطيف عمران

لا شك في أن دعم سورية لخطة أنان سيزيد من إرباك أعدائها، ولاسيما أن سورية كانت قد وافقت على مبادرات عديدية سبقتها في هذا السياق، منها البنود الستة التي طرحها المبعوث الصيني، والبنود الخمسة التي تمخّض عنها اجتماع لافروف بوزراء الخارجية العرب في القاهرة. والأهم من هذا كانت المبادرات التي أطلقتها القيادة السياسية طواعية، وتقديماً، للحل السياسي الشعبي على الحل الأمني، ومنها الدعوة الى الحوار والتشجيع عليه، وإصدار عدة مراسيم للعفو، والمضي في تنفيذ خطوات الإصلاح الديمقراطي الشامل. فسورية هي التي تعمل على اختصار الزمن في معالجة الأزمة لتتابع دورها الوطني والعروبي الداعم للأمن والاستقرار والحقوق من جهة، وللمقاومة المشروعة من جهة ثانية، أما الذين يلعبون بمفهوم المهلة الزمنية فهم خصومها المحصورون اليوم والذين باتوا قلّة، وعلى اضطراب من أمرهم المفضوح والمأزوم. ويكاد ينحصر اليوم اللعب في هذا المفهوم بين الثلاثي المترنّح من قادة تركيا وقطر والسعودية، وقد تقطّعت الأوصال بينهم وبين سخف مجلس اسطنبول واعترافات العصابات وانهزامها في الداخل. وهؤلاء يخطئون في رهانهم على تصدّع الوحدة الوطنية والوعي الشعبي في سورية، فجماهيرها كافة في المدارس والمعامل والحقول والمساجد والكنائس…. طالما خبرت المنعكسات السلبية لتحالف الرجعية والغرب والصهيونية، وهي على يقين أكثر اليوم بخطر الرهان على شرذمة صغيرة آخذة في الاندحار والتلاشي بعد انبهار بالدعم المالي وبالسلاح وبالمأجورية والعمالة والخيانة. إن عامل الزمن سواء أطال أم قصُر لن يكون في صالح أعداء سورية، فاختزاله لمعالجة الأزمة مصلحة وطنية من جهة، وإطالة أمده فرصة من جهة ثانية يتكشف خلالها مزيد من خبث المتآمرين وتهافتهم وخسارتهم. وفي مطلق الأحوال فإن عوامل القوة في السياسة السورية آخذة في التصاعد، وعوامل الضعف كذلك آخذة في التصاعد عند الخصوم الذين باتوا يخشون من أن وقت الحساب معهم قد اقترب. فهناك اليوم تبلور وعي رسمي: عربي ودولي، وشعبي: تركي خليجي بأن المؤامرة على سورية ليست نظرية، بل هي واقعية، وفعل قذر وجبان مقترن بالتضليل والكذب. وهذا واضح في التصريحات الأخيرة المضطربة لأطراف التآمر وقادته، فالحكومة التركية اليوم في قلق ونفاق، لا يعرف الثنائي البارز فيها الصدق والأخلاق بل الصراخ والكذب مع سجن أكثر من ستمئة طالب ومئة صحفي وستة آلاف سياسي، والانطلاق من “صفر مشاكل” الى المئات، وسيتهددها المزيد من الخيبة وهي تنطلق من نظرية “عمق استراتيجي” متهافتة بالتفكير والممارسة لتركيزها على المكان والجغرافيا، وقفزها فوق حقائق الزمان والتاريخ، وهنا مأزقها وهي تقدّم اليوم صورة سيئة عن علاقة الإسلام بأصول الحكم، وربما ستكون هذه الصورة مقدمة لنزوع الإسلام السياسي الراهن نحو السلطة. كما أن النفق المظلم الذي يقود سعود الفيصل السياسة السعودية إليه، وقد رُذل به العمر، مغاير لما عرفته سابقاً السياسة السعودية التي لها اليوم طعم آخر تفوح منه رائحة النار والفتنة، وهو يدعو الى تسليح “المعارضة” في سورية، ويشجّع على نبذ الحوار، فكيف أمره بين مسألتي الحوار والسلاح وبلاده على توزّع واهتزاز بين الوهابية والأصولية والجهادية والسلفية والقاعدة…؟ ومن كان أمره هكذا لا بد أن يعمد الى تصدير أزمته الداخلية الى الخارج، وهو لن ينجح هنا ولا هناك. أما حكّام قطر فأصبحوا مثار تندّر في طموحاتهم ومبادراتهم وحماقاتهم وتآمرهم وزج “دويلتهم العظمى” في أية أزمة إقليمية أو دولية أو وطنية على غرار تدخلهم الأخير في الشأن العراقي، وهم يبددون ثروة لتسعير الشقاق والاقتتال والفتن خدمة لأيديولوجيا كبرى لم تتبلور بعد، وإن كان ظاهرها الأهم الاجتهاد لنقل ساحة المواجهة للقوى العربية والإسلامية من إسرائيل الى عدد من الدول العربية ومنها سورية. وفي هذا السياق كان التخريف السياسي والتعثّر في مؤتمر اسطنبول لأعداء سورية، فسقط نبيل اللا عربي سياسياً ودبلوماسياً في احتكامه الى الفصل السابع، وتبعه الآخرون في فهم ملتبس ومزوّر لشرعية التمثيل التي أسبغوهاجهلاً وتجاهلاً بالأعراف السياسية والدبلوماسية على مجلس اسطنبول الذي لا يستطيع أي من أعضائه أن يقيم أو يتنقّل بين عواصم الغرب وفنادقه ومطاراته دون مأجورية وعمالة و”خرجيّة” من حكومات الرجعية والاستعمار. فماذا سيفعل هؤلاء في المهلة الزمنية التي يجب أن تسري عليهم أولاً وهم يضربون أمن سورية ودورها، ويضربون خطة أنان وأي مبادرة للاستقرار والوحدة الوطنية والوفاق الداخلي ليس في سورية فحسب؟ وماذا سيفعلون مع تقدم الوعي الشعبي العربي بأهمية الفكر القومي ومشروعيته، وقابلية المجتمعات العربية اليوم لاستنهاض خطاب وطني وقومي جديد، مقابل اضطراب طموح الإسلام السياسي في الحكم؟ والجواب قريب، وواضح من استمرار تلاحم الشعب والجيش والقيادة السياسية، وانطلاقاً من تاريخ سوري مقترن بالوعي والصمود، وبأصالة الهوية والانتماء.