كلمة البعث

بالفعل مــن ليــس مـعنا فـهـو ضــدنا

د. عبد اللطيف عمران

لم يكن القرار السياسي في سورية المعاصرة، والتاريخ، شأناً وطنياً داخلياً فحسب، بل طالما أخذ هذا القرار بالحسبان الشأن العروبي أيضاً، انطلاقاً من تقديم المصلحة القومية على أي اعتبار، ولذلك يكون من ضد سورية الشعب والدولة والمؤسسات الوطنية والقومية هو ضد مصالح الوطن وقضايا الأمة.

فليس النظام السياسي في سورية وليد الرد على جريمة الانفصال بقيام ثورة 8 آذار 1963 فحسب، بل هو وريث العنفوان العربي والإسلامي والسوري أيضاً والذي يعود في تاريخه الأغر الى ماضٍ تليد عريق تتمثل بعض مراحله في الدولة الأموية وعاصمتها دمشق والتي جعلت المتوسط بحيرة عربية إسلامية، ودوخّت الروم.

ولاتزال سورية قلب العروبة النابض كما رأى الزعيم الوطني والعربي جمال عبد الناصر، وستبقى. والمتآمرون اليوم عليها هم الذين انتصروا بالمحصلة لقرار الإدارة الأمريكية السابقة ولاستراتيجيتها: من ليس معنا فهو ضدنا. ففتحوا لها البر والبحر والسماء والإرادة والقرار والسيادة والثروات وهي تحارب خارج حدودها وتنتصر لمشروع نيوكولنيالي صهيوني رجعي، وكانوا أدوات رخيصة لتحقيق أهداف هذا المشروع. وهم الآن أدوات التآمر على سورية الشعب والدولة والمبادئ والثوابت.

بالأمس أكد كيسنجر في الواشنطن بوست أن المصلحة الاستراتيجية الأمريكية ليست سبباً كافياً للذهاب الى الحرب في سورية، كما أكد بريجنسكي في مقابلة مع محطة (MSNBC) أن سورية جزء من الجهاز العصبي للعالم، وهناك مجازفة بتحويل قضية داخلية صعبة الى مشكلة إقليمية وعالمية، والأزمة فيها تختلف عما حدث في البلدان العربية لأن العنف ليس واسع الانتشار جغرافياً، وعلى عكس ماتوحي به وسائل الإعلام الغربية من مبالغة في توصيف الأزمة.

كما أكد عدد من المفكرين أن الغرب يخون مبادئ عصر التنوير فيه حين يدعم الحركات والأنظمة الأصولية الرجعية، ويحارب التيارات المدنية والديمقراطية والعيش المشترك في البلدان العربية. وفي هذا السياق يمكن فهم أسباب تأزيم الوضع في سورية، وتضافر جهود الأعداء في الداخل والخارج للانقضاض على سورية النهج والشعب والدولة.

ولذلك يكون قرار الحكومة السورية بشأن سفراء الغرب قراراً شعبياً بالدرجة الأولى، ومؤسساً على الكرامة والسيادة، ومبنياً على العدالة والمعاملة بالمثل، وغير متسرّع بعد إعطاء فرصة لتلك الدول بالعودة عن قراراتها وتوجهاتها الظالمة، فالغرب ليس سقف العالم، ولا مطلق الجغرافيا والتاريخ. وهو قرار تاريخي وطني وعروبي شجاع، ويأتي في سياق نزوع عالمي تحرري حقيقي ضد الابتزاز والتهديد والغطرسة، وستستفيد منه الشعوب الحيّة في العالم أجمع.

لقد فُرضت على سورية أزمة راهنة لم تنسحب خلالها قيادتها السياسية من الاعتراف بأسبابها الداخلية المتنوّعة، لكن بالمقابل لايستطيع متابع أن ينكر الدور الأجنبي والرجعي فيها خدمة لاستراتيجيات أصحاب هذا الدور.

وبعد أن رأى الجميع ازدياد العمليات الإرهابية في سورية مع تقدّم طرح الحل السياسي وتنفيذ الجدول الزمني لمشروع الإصلاح، ودعم عمل بعثة المراقبين العرب، وخطة أنان، فإن الوطنيين والعروبيين مجمعون على ضرورة الحسم، وإنهاء الفرص المتاحة أمام أولئك المغرّر بهم في الداخل والخارج والذين صاروا أدوات فتنة وتآمر على مصالح الشعب وحقوق الوطن والأمة.

فالرمادية الوطنية لم تعد مقبولة كما أكد الرئيس الأسد لأنها ضرر بالمصلحة العامة وخيانة للأمانة الوطنية، لكي لاتتاح فرصة للقادمين من خارج التاريخ أن يكتبوا أن السوريين يوماً دمّروا وطنهم بأيديهم، فلا تساهل ولا تسامح مع الإرهابي ولا مع من يدعمه.

والحقيقة فإن الذين انتصروا للقرار الأمريكي المذكور، هم ينتصرون اليوم بتآمرهم على سورية لفوضى رايس ولشرق أوسط بيريز، وستبقى سورية قادرة على إحباط هكذا قرارات ومشاريع. ومن هو ضدها، ولاسيما في هذا المخطط الذي تجابهه، فهو ضد المصالح الوطنية والعربية، وضد القيم والأعراف الإنسانية، فالوقوف معها كان ولا يزال معيار الهوية والانتماء.