اقتصاد

التأميــن الصــحي والاســتفاقة المطلوبــة

منذ عشرات السنين والتأمين الصحي مطلب مطروح ومأمول لجميع العاملين في الدولة، على أمل أن يتحقق ذلك عبر الجهات الرسمية، وليس عبر الجهات الخاصة، ولكن العمل جاء خلاف الأمل، إذ بعد انتظار طويل، تم اعتماد صيغة تنفيذية لذلك قبل سنوات قليلة، عبر شركات التأمين الصحي الخاصة، العائدة لمساهمين من جهات متعددة، تهدف إلى تحقيق المزيد من الأرباح، على حساب القطاع العام، الذي عليه أن يكون هو المموّل الرئيسي لهذه الشركات، حيث تتحمل الإدارات الرسمية دفع مبالغ مالية شهرية كبيرة، عن كل عامل لديها  إلى الشركات التأمينية الخاصة، إضافة إلى مبلغ آخر يقتطع من راتب العامل، تحت عنوان، أن ذلك سيعود بتأمين صحي فعلي للعامل، ولكن واقع الحال جاء خلاف المتوقع، فكثير من المتعاملين مع هذه الشركات أبدوا استياءهم من كثير من الإشكالات، فالجهات الطبية المتعاقدة مع هذه الشركات، أطباء وصيادلة…، شكوا من صعوبة الحصول على مستحقاتهم من هذه الشركات، ما دفع الكثير من الجهات الطبية– رغم محدوديتها- لوقف التعاقد مع شركات التأمين، وجميع العاملين يعانون من صعوبة التعامل مع الجهات الطبية، نتيجة قيود عديدة منها:
– قلّة الجهات الطبية المتعاقدة مع شركات التأمين، ومن ثم انسحاب العديد منها من التعاقد، بحجة إشكالات صرف المستحقات.
– وجود قيود عديدة تقيّد وتحدّد استفادة العامل من خارج محافظته.
– وجود قيود تمنع المشترك من الاستفادة من الشركات، نظراً لحصر ذلك في أيام معينة من الشهر بالنسبة لمحتاجي الأدوية المزمنة، ولمحدودية توفر العديد من الأدوية وانقطاع بعضها.
– انقطاع الكهرباء الذي يؤدي إلى الحدّ من إمكانات اتصال الجهات المتعاقدة مع شركات التأمين، لأخذ موافقاتها على تطبيب العاملين.
كل ذلك مكّن شركات التأمين من تحقيق أرباح كبيرة على حساب الأعضاء والجهات العامة التي يعملون فيها، بل وعلى حساب المنظمات والنقابات، التي بقيت تتحمل جزءاً من طبابة أعضائها، الذين لم يتمكنوا من الحصول على مساعدة شركات التأمين، للأسباب المنوّه عنها أعلاه، ما دفع جميع المتعاملين مع هذه الشركات للتململ منها، ولكن إمكانية انسحاب الجهات الطبية، لا يقابله إمكانية انسحاب العاملين والكثير منهم لم تتم استشارتهم عند التعاقد مع هذه الشركات، وجهاتهم العامة هي التي تعاقدت بأسمائهم ولكن تفاقم الشكاوى من شركات التأمين، دفع باتجاه أن تطالب الكثير من الإدارات والكثير من  المنظمات والنقابات والكثير من العاملين، بالانسحاب من هذه الشركات، على أن تتولى الجهات العامة، أوالمنظمات أوالنقابات هذه العملية التأمينية بأداء أفضل، يضمن عودة الربح المتحقق للصالح العام.
وزارة الصحة كانت في مقدمة المبادرين في هذا الاتجاه، حيث قررت الانسحاب من برنامج التأمين على خلفية رفض/15/ ألف عامل توقيع العقد بسبب الاختلاف في البنود مع حجم التغطيات، وأيضاً تمنعت وزارة التربية– التي لديها حوالي/ 300 / ألف متعاقد- عن توقيع العقد، ويدور ذلك في خلد العديد من جهات عامة أخرى، وترافق ذلك باحتجاج النقابات على شركات التأمين، إذ أبدى اتحاد العمال احتجاجاته في أكثر من مناسبة، وجاء الاحتجاج الأكثر فاعلية من نقابة المعلمين التي تعمل الآن لإيجاد شركة تأمين صحي لها، على أن تكون ملكها، ويبدو أن هذه الشركة قيد التحضير لإشهار عملها، وبالرغم من أهمية جهود نقابة المعلمين وبقية النقابات، يبقى من الأفضل أن يتم تفعيل مضمون المرسوم رقم/ 65 / لعام 2011، والذي ينص على إحداث شركة شام الحكومية التي يجب أن يناط بها كل ما يتعلق بعمليات التأمين الصحي، وضبط أمانة ومصداقية العلاقة بين المؤمن عليهم والجهة المؤمنة، إذ لا مصلحة للدولة ولا للنقابات ولا للعاملين في تجزئة وتشعيب العملية التأمينية ما أمكن ذلك، فالاستفاقة التأمينية حالة صحية جداً، ومطلوبة اليوم قبل الغد، ولا مصلحة لوطن ولا لمواطن في تجميد تفعيل تنفيذ أي تشريع مفيد تم اتخاذه.

عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية