ثقافة

“البساطير” رواية الانتفاضة المستمرة

يقدم د. هاشم رزق المصري نفسه في بداية روايته “البساطير” بأنه ليس روائياً وأنه يكتب لنفسه، لكن هل يعفي هذا التقديم تلك الرواية من مطرقة النقد، أم أن المبدع طالما قرر الخوض في المجال الإبداعي كان ذلك بمثابة إقرار ضمني منه بأن منجزه الإبداعي لم يعد حكراً عليه، وأنه أصبح في متناول النقاد، تختلف الآراء في هذا المجال، كما تختلف حدة النقد كذلك. ورواية “البساطير” كانت موضوعاً للندوة النقدية التي أدارها القاص أحمد جميل الحسن في مقر الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، والتي قدم خلالها النقاد قراءة نقدية لتلك الرواية، حيث قدم عماد فياض تحليلاً عميقاً لشخصيات الرواية، في حين اختار القاص أيمن الحسن الجانب الرمزي ليتحدث عنه، وكانت للقاصة ديمه داوودي مداخلتها، وما جمع الآراء النقدية هو أن تقديم الكاتب لنفسه بأنه ليس روائياً لا يعفيه من مسؤولية تقديم رواية متكاملة من الناحية الفنية والجمالية.

تسمية المتاجرين بأسمائهم
في مداخلته، ركز الناقد عماد فياض بعمق على شخصيات الرواية، بدءاً من بطلها الذي دخل السجن على أثر إحدى المظاهرات ضد الاحتلال، وفي أثناء حديثه مع أحد السجناء يعرف تاريخ السجن الذي مر عليه الأجداد والآباء والأبناء بينما بقي السجن واحداً، مما جعل أبناء الوطن في متاهة لا يكادون  يصحون من كابوس حتى يتفاجؤون بسجان جديد، وهذا جعل السرد مضطرباً متكسراً يختلط في جزء منه بالسيرة الذاتية، ومن الشخصيات الأخرى في الرواية المرأة التي بقيت دون اسم لتمثل حالة المرأة المقهورة والمستلبة والمغتصبة في هذا الوطن المغتصب أيضاً والتي تعيش هماً ذاتياً بسبب الزوج الفاسد، كما تعيش هماً وطنياً في مقاومة الاحتلال. وخلاصة قراءة فياض لـ “البساطير” أنها رواية الانتفاضة المستمرة، فبقدر ما تحتفي بالثوار، إلا أنها بالمقابل تسمي المتاجرين بأسمائهم جماعة المصالحة والتطبيع، وذلك في نقد صريح وواضح دون خوف، أما الأهم فهو ما تضمره الرواية وتقوم عليه، وهو جيل الشباب والأم رمز الأرض الولاّدة التي ستستمر في إنجاب المقاومين.

التفاؤل الثوري
بدوره اعتبر القاص أيمن الحسن أن الكاتب عمد إلى تحميل بعض الشخصيات شيئاً من الرمزية، والبداية كانت مع أم هاني التي ورثت كل ما تركه الرجل الثوري الذي يطل من خلال الرواية ليحكي سيرته الذاتية دون اسم، مما يعني أنه واحد من الشعب الفلسطيني، وربما كانت أم هاني هي فلسطين المغتصبة، فأم هاني اغتصبت من قبل زوجها في ليلتها الأولى ووالدها لم يكن يهتم سوى بالنقود والشكليات، ويمكن تشبيهه ببعض القادة والحكام العرب، أم هاني ترمز لفلسطين، إذ تأخذ على عاتقها مسؤولية المستقبل الواعد بأن تعطي الثورة شحنتها من الشبان، وهي أيضاً رمز للنقاء والطهارة، حيث تنتهي الرواية بمشهد التفاؤل الثوري ولم يغب عن الحسن الحديث عن التناص في الرواية مع التاريخ العربي، حيث يتقمص الراوي شخصية عنترة العبسي خلال أربع صفحات. ورأى الحسن أن الرواية تشكو فنياً من أخطاء لغوية وطباعية كثيرة، كما تفتقد لعلامات الترقيم، وهناك خلط بين الأصوات والضمائر.

غصن الزيتون لا يشهد زوراً
كما قدمت الشاعرة والقاصة ديمة داوودي مداخلة موجزة ركزت فيها على فكرة الرواية،  تلك الرواية التي أحدثت جدلاً على صفحات الانترنت عندما نُشرت لأول مرة في العام 2007 والجدل مازال مستمراً، حيث تخرج رواية “البساطير” من مدينة نابلس التي ولد فيها الروائي واعتقل مرتين على يد الاحتلال. وأشارت داوودي إلى التعدد في أصوات الرواية، فهناك الراوي الأساسي والشخصيات الأخرى التي تفيض بالبوح وأحاديث الذكريات. وبالرغم من مباشرة الرواية في صفحاتها الأولى، إلا أن الأحداث تتشابك وتتداخل في نسيج حكائي يحمل بعض الرمزية، وقد تمكن الكاتب في الرواية من سبر مشاعر الأنوثة بمكنوناتها، كما تحدث بلسان الشخصيات. وأكدت داوودي أن الأحداث السياسية تبرز في الثلاثين صفحة الأخيرة من الرواية بعد أن تم التمهيد لها سابقاً، حيث يتضح سبب تسمية الرواية بـ “البساطير” وخلصت داوودي إلى رؤية مفادها أن “البساطير” لا تفهم فقط بأنها تعني بساطير القائمين على السجن، بل هي امتداد جذري لبساطير خطمها يلوث طهر الأرض والأشد قهراً تلك التي تدوس الأحلام، لكن رغم تصفية بطل الرواية يبرز بطل جديد ليؤكد أن غصن الزيتون لا يشهد زوراً وأن صعود الدرج لابد أن يكون كاملاً. وبغض النظر عن اختلاف الآراء حول أهمية رواية “البساطير” تبقى لها أهميتها لأنها رواية الداخل الفلسطيني الذي يصور بدقة تفاصيل الحياة اليومية ويرصد مرحلة مهمة من الصراع مع العدو الصهيوني.
جلال نديم صالح