ثقافة

في اليوم العالمي لكتّاب الأطفال… محمد برّي العواني: أدباء الأطفال يحتاجون إلى رعاية أكثر من غيرهم

لأنه الأدب الأكثر خصوصية ونوعية من غيره، ولأن جمهوره ممتلئ بكثير من العواطف والاندهاش وبقليل من المعارف، وعلى كاتبه أن يكتب ما هو ملموس لأن قرّاءه ينفرون من كل ما هو مجرد كما هو ماثل في عالم الكتابة للكبار، ولأن الكتابة لجمهوره تحتاج إلى كتّاب عارفين وعليمين به منذ ولادة الطفل وحتى يفاعته دون انقطاع، يؤكد الكاتب والباحث محمد بري العواني في حواره مع “البعث” بمناسبة اليوم العالمي لكتّاب الأطفال، الذي يصادف في هذه الأيام، قلة عدد الذين يتوجهون بكتاباتهم للأطفال في سورية، خاصة وأن العائد المعنوي يشكل إحباطاً كبيراً لهم من حيث الشهرة والاهتمام والرعاية الاجتماعية الثقافية الشاملة الشعبية والرسمية، بالإضافة إلى ضآلة العائد المادي جراء نشر كتب هؤلاء المبدعين وتسويقها..

أسف
ويأسف العواني لأن كتّاب الأطفال العرب بعامة والسوريين بخاصة يعانون من تهميش من قِبَلِ المجتمعين المحليّ والأدبي الثقافي، وأمر كهذا ينعكس على مجمل إنتاجهم الإبداعي الطفلي الذي يترافق على الدوام بإنتاج إبداعي آخر موجّه للكبار يتم تداوله اجتماعياً ونقدياً، مبيناً أنه في الوقت الذي يتم النظر فيه إلى أدب الأطفال بعين العطف فإن أدب الكبار يحظى بالاحترام والتمجيد في معظم وسائل الإعلام من خلال مراجعات ومتابعات وندوات ومناظرات ومنابر يفتقد إليها كتّاب الأطفال، حيث مجلتا “الموقف الأدبي” و”المعرفة” لا تنشران إبداعهما إلا في مواسم احتفالية، أو حين ترغب هي في فتح ملفات خاصة لهذا الأدب بهدف التأريخ الأدبي دون أن يحظى بدراسات نقدية، في حين أن مجلات الأطفال -برأي العواني- مثل “أسامة” و”الطليعي” لا تفيان هذا الأدب حقه في الإشهار والترويج، لأن المجلة تعنى بأنماط فنية أخرى كالمسلسلات المصورة الطويلة أو القصيرة التي تشد الأطفال إلى قراءتها من خلال الصورة في أكثر الأحيان، ومثل ذلك صفحات التسالي والعلوم والفنون التطبيقية ما يجعل مساحة أدب الأطفال مقصورة على قصيدة أو قصة واحدة.. وعلى ما سبق يرى العواني أن الواقع المهني لكتّاب الأطفال لا يطعم خبزاً، ولا يسقي ماء، ولا يعود على مبدعه بشهرة، على الرغم من تأكيده أن ما يبدعه كتّابنا السوريون للأطفال في مختلف الأنواع الفنية ممتاز بالقياس إلى ما نقرؤه مما يفد إلينا من الدول العربية الأخرى، وقد أثبت كاتبُ الأطفال السوريُّ ذلك من خلال فوزه الدائم بجوائز عربية معتبرة، وهذا دليل على جودة الإبداع من حيث الشكل والمضمون.. موضحاً أن كتّاب قصة الأطفال مثل: لينا كيلاني، عزيز نصار، محمد قرانيا، نزار نجار، سلام اليماني، خليل بيطار، نور الدين الهاشمي، مريم خير بك، نظمية أكراد، نهلة السوسو، عارف الخطيب، نجيب كيالي، أميمة إبراهيم، هيثم الخواجة، خير الدين عبيد، وغير هؤلاء كثير، يمتازون بلغة أدبية راقية وسليمة، لغة تصور عوالم الأطفال ورغباتهم واحتياجاتهم المعرفية والثقافية والنمائية بكثير من الجمال دون أن تتخلى عن منظومة القيم الاجتماعية والوطنية والقومية والإنسانية والتربوية والترويحية.. مشيراً، وهو الذي كتب حول ذلك بحثاً مطولاً يتناول كاتبات نساء بالتحديد كتبن للأطفال صدر ضمن كتابه “دراسات في أدب الأطفال ومسرحهم” الصادر عن اتحاد الكتاب العرب عام 2013، إلى أن مثل ذلك نجده لدى شعراء الأطفال السوريين الذين هم أقل عدداً من القاصين والقاصات أمثال: سليمان العيسى، ممدوح السكاف، موفق نادر، محمد قرانيا، بيان الصفدي، أسعد ديري، وغيرهم.. أما كتّاب المسرحية فإنهم -برأيه-  محظوظون أكثر من زملائهم السابقين لأن حركة مسرح الأطفال في سورية والوطن العربي استوعبت الكثير من هذه المسرحيات وعرضتها على خشبات المسارح، محققة نجاحات باهرة، وعلى هذا تلمع أسماء معتبرة في مجال الكتابة المسرحية للأطفال أمثال: فرحان بلبل، سلام اليماني، هيثم الخواجة، نور الدين الهاشمي، عارف الخطيب، محمد قرانيا، محمد أبو معتوق، معشوق حمزة، أحمد إسماعيل، خير الدين عبيد، وغيرهم كثير، حيث قدم هؤلاء مسرحاً ممتعاً بجمالياته اللغوية والتعبيرية والتصويرية التي اجتهدت في تحقيق جماليات اللعب التي تنسجم مع عوالم الأطفال الحركية التعبيرية والرمزية.

مطبات فنية
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه كتّاب أدب الأطفال في سورية إلا أن مطبات فنية كثيرة قد حاقت ببعض هذا الإبداع، خاصة في الشعر الوطني والقومي، وفي القصة التي اتجهت وجهة الموضوعات والمضامين الوطنية والقومية، حيث تجلت المباشرة -برأي العواني- في تناول هذه الموضوعات فظهرت معها لغة صاخبة ضجيجية، وشعارات مرحلية آنية، وشخصيات كرتونية هشة، لأن الصراعات فيها مفتعلة ومصطنعة لتحقيق أهداف تعليمية مباشرة، ولأن أكثر هؤلاء الكتّاب هم من المعلمين، فقد حملوا معهم همومهم التعليمية والتربوية التي كانوا يعانون منها في مدارسهم وبيئاتهم المحلية، كما حملوا في وجداناتهم واقع شعبهم وأمتهم في النضال والتحرر اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً.. إلخ.

تقويم ورؤية
وفي تقييم العواني لكتابات الكتّاب الشباب في أدب الأطفال، ولأن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والمعرفي والثقافي يكاد يكون واحداً، يبين أن ما كتبه هؤلاء لا يبتعد كثيراً عمّا قاله في الكتّاب الكهول، مع تأكيده على أن الأدباء الشباب بعامة أضعف لغة تعبيرية وتصويرية، وأقل قدرة فنية في حبك صراعات درامية في النص المسرحي والقصصي، لأن لغة الاتصالات الحديثة فرضت عليهم لغة أكثر انحرافاً عن القواعد والأساليب التقليدية، امتثالاً لعولمة اللغة الحاسوبية التي تفرّغ اللغة من الصراع لصالح لغة ثالثة هي لغة تكاد أن تكون حيادية، وهذا أمر مقصود -برأيه- من مصممي الحواسيب لخلق اتجاهات لغوية غير قومية، وقد أسهم النشر الإلكتروني بذلك كثيراً لأن تقنية الحواسيب التي أضافت الصورة والصوت والضوء، وجعلت ذلك متاحاً للجميع، قد أسهمت في الابتعاد عن اللغة الجميلة بما هي خلق إبداعي تصويري، إضافة إلى أن الشباب كتبوا في موضوعات معاصرة تتعلق بعالم الاتصالات الحديثة التي هي أقرب إلى واقع افتراضي، وهو واقع يشبه في تأثيره تأثير المباشرة في الشعر والقصة، اللذين يجعلان من البطولة المطلقة والشجاعة المتفوقة نماذج للبطولة، وهذا جميعه اصطناع غير محمود.
ويختم العواني حواره داعياً بهذه المناسبة إلى توفير منابر إعلامية متخصصة بالأطفال لإشاعة إبداعات كتّاب الأطفال، وعقد ندوات ومؤتمرات يتم فيها بحث ونقد وتأريخ هذا الإبداع، مع إصدار هذه الإبداعات وإيصالها إلى الأطفال في مدارسهم وبيوتهم وأماكن تجمعاتهم في أندية الأطفال الثقافية بهدف خلق علاقة حميمة بين الأديب وقارئه، وهذا يعني أن أدباء الأطفال يحتاجون -برأيه- إلى رعاية أكثر من غيرهم، مشيراً إلى أن اهتمام كليات الآداب والتربية بهذا الإبداع وتدريسه ورعايته وترويجه يفتح آفاقاً رحبة لانطلاق الأدباء وأدبهم، ووضعهم جميعاً موضعاً لائقاً في مسيرة التنمية الشاملة، ويؤسفه أن هذه الكليات لا تبدي اهتماماً بهذا الأدب.
أمينة عباس