ثقافة

ساحات دمشق وقاسيونها.. يودعون صديقهم العتيق

ها هو عاشق ومحب غيور أصيل على معشوقته دمشق، يستنفد كل ذكرياته معها، مع حواريها التي له مع كل حائط فيها ذكرى تتألق في خاطره أبداً، مع أهلها الذين أحبوه كزعيم من زعماء المحبة في أماسيهم التي قضوها أمام التلفاز يتابعون أعماله بالشغف ذاته، أو في حياتهم البسيطة، بعد أن طوى عينيه وأرخى جبين حزنه على دمشقه، مذ بدأت دماء ياسمينها تسيل على خديه وفي روحه، عبد الرحمن آل رشي سوري عتيق آخر بجملته التي ذهبت مثلا لكل السوريين “أنا سوري آه يا نيالي”، من لم يرددها من السوريين موالاة أو معارضة “بغض النظر عن ماهيتها” عندما كنا أخوة في الحياة والموت؟ من لم يشعر أنها مسّت كيانه الوجودي والواقعي حتى صار يشعر بها ويحسها مهما كان انتماؤه، لأن رجلاً بقيمة و محبة ورجولة “آل رشي” وقف يوماً في ساحة دمشق وعلى قمة قاسيونها وغنّاها بسوريته الأصيلة: سوري أصاب الجميع حزن فقده.. هل ثمة اتفاق بين الذين صنعوا فرقاً بحياة الناس، كل في عوالمه الرحبة، على أن يرحلوا معاً، ويتركوا هذه الأرض هكذا معلقة بلا جذوع، بعدما اكتشفوا متأخرين أن كل ما ضحوا لأجله وأبدعوا في خلقه لتكون الحياة هي الرابحة بقيمها ومثلها النبيلة، لا الموت، ذهب أدراج الرياح،”نضال سيجري، ياسين بقوش، طلحت حمدي، محمد الشيخ نجيب وحسن دكاك، ناجي جبر، فؤاد غازي،  أنسي الحاج، وديع الصافي، جوزيف حرب، وردة الجزائرية” وغيرهم ممن ترك الربيع الذي مرّ ببلادهم في نفوسهم حزناً لم يطيقوا معه صبرا، هل ثمة اتفاق ضمني بينهم على هذه الهجرة المؤلمة التي يبتلوننا بها؟.
المسيرة الفنية الشاقة التي خاضها هذا الرجل، والرجال قليل كما يقال، أسست لمدرسة “الأزرق” في غضب الصحراء، الدور الذي علّم في عقول مشاهديه إلى الأبد، ليكن ذلك الصوت الخشن والنبرة الدمشقية الكاملة الرجولة التي يمتلكها بالكاركتر الحقيقي الذي قدم به نفسه بنفسه للناس، “أبو بطرس الزكرتي” في مسلسل “رجال العز”،  من العلامات الفارقة التي رسمت خريطة الدراما السورية بأنواعها لعقود من الزمن “سينما – مسرح – تلفزيون – إذاعة”، خلال الرحلة الشاقة التي امتدت  قرابة خمسين عاماً -كما قلت- تلك التي خاض بدايتها، في ستينيات القرن العشرين، كما في “مذكرات حرامي ورأس غليص”حيث سجّلت ذاكرة الدراما السورية للممثل الراحل عبد الرحمن آل رشي العديد من الأدوار البارزة، نذكر منها: “الأزرق” في مسلسل غضب الصحراء 1989،  و”جنكيز خان” أحد أبطال مسلسل “هولاكو” و”ريّس المينا” في مسلسل “نهاية رجل شجاع” 1993، الدور الذي ارتقى بأدائه “آل رشي” إلى مصاف عليا في علم فن الممثل وقدرته على الخلق والتجدد، ومن منّا لم تحدث به أثراً عاطفياً، تلك النظرة القاسية، وهي تقدمه كشرير فرض هيبته على متفرجين يتابعون عملاً درامياً على شاشة التلفزيون؟.
شارك الممثل الراحل في السينما السوريّة، بصورةٍ مكثفّة خلال سبعينيات القرن الماضي، وكان بطلاً للعديد من الأفلام السينمائية، كـ” الثعلب 1971، اليازرلي، السيد التقدمي، وكفر قاسم 1974، الفخ 1979″،  كما كان آل رشي أحد أبرز نجوم “أعمال البيئة الشامية”، عبر أدوار جسّد فيها قيم النخوة، والشهامة، والبطولة، ومنها: “أبو جواد” في “الخوالي” سنة 2000، و”الزعيم أبو صالح” بالجزأين الأول والثاني من السلسلة الشاميّة الشهيرة “باب الحارة،” و”أبو بطرس الزكرتي” في مسلسل “رجال العز” 2011، وشارك ببطولة “قمر شام “2013.
عبد الرحمن آل رشي، صوتك الذي هدر في ساحات دمشق ومن على قاسيونها: “أنا سوري آه يانيالي”، سيبقى يتردد في وجدان وضمير كل سوري عرف قيمة رسالتك الإنسانية والوطنية تجاه وطنك وشعبك، حتى لو آلمك فلذة الكبد، بقيت تُعلي راية الوطن وحدها لا راية إلاها..
وداعاً يا زعيم المحبة والألفة والرجولة.
تمام علي بركات