اقتصاد

متوالية من القيم المضافة اقتصادياً وتنموياً.. وأولها فرص واسعة للعمل المشاريع القيادية وصفة ناجعة لرفع سوية العشوائيات أولاً ودمجها بالمجتمع المحيط ثانياً

لا شك أن العشوائيات نشأت في ظروف خاصة أدّت إلى أن تكون مكوناً عمرانياً واجتماعياً لا يمكن نكرانه أو تجاهله، وبالتالي يحتّم علينا إعادة النظر بطريقة التعامل والتعاطي معها، وضرورة دمجها بالوسط الموجودة فيه لتصبح جزءاً لا يتجزأ منه اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، وهذه المهمة لا تقتصر فقط على الحكومة، وإنما يمكن للقطاع الخاص أن يضطلع بها أيضاً، خاصة ونحن على أبواب مرحلة إعادة الإعمار، وذلك من خلال –على سبيل المثال لا الحصر- إقامة مشاريع استثمارية تجارية واقتصادية بجانب مناطق العشوائيات، ما يتيح المجال لاختراق هذه المنطقة والتواصل مع قاطنيها وإيجاد فرص عمل لهم في هذه المشاريع من جهة، ووضع حدّ للتوسع العشوائي وتجميل المنطقة عمرانياً من جهة أخرى، لأن هذه المشاريع التجارية والاقتصادية الخاصة ستكون بمثابة حدّ يمنع أي توسع أو تعدٍ على أملاك الغير.
مشاريع قيادية
ويؤكد الدكتور في جامعة دمشق  محمد يسار عابدين من كلية الهندسة المعمارية أن أهم سببين يستدعيان التدخل السريع في مناطق العشوائيات هما أولاً: تأمين المرافق الأساسية لتقديم الحدّ الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات، إلى جانب توفير المواصفات الهندسية الصحية للمنازل.
أما السبب الثاني فيتمثل باختراق هذه المناطق وكسر عزلتها عن المحيط الموجودة فيه، لتنخرط في الحراك اليومي للمدينة، وألا تبقى معزولة وكأنها خارج تغطية المد المدني وما يحمله من تنوع حضاري وثقافي واقتصادي.
عابدين يرى أن إحدى أهم الطرق بعيدة المدى بالنسبة لاستراتيجيات التنمية لمناطق العشوائيات تتمثل بإنشاء بعض المشاريع القيادية (مجمع تجاري– سياحي– إداري.. الخ)، فمن شأن هذه المجمعات تحسين وضع العشوائيات، لأن أية مداخلة في العشوائيات -مهما كان نوعها- ستنعكس على المحيط الموجودة فيه سواء من ناحية الخدمات المقدمة، أم من ناحية الطابع العمراني، موضحاً أن هذا النوع من الإستراتيجيات التنموية للواقع الراهن يدفع الناس للقيام بتطوير مناطق سكنهم بما يتوافق مع المكون الاقتصادي التنموي الموجود فيها.
توازن
وحول مسألة القيمة المضافة التي يمكن أن تُجنى من التدخل الاقتصادي في العشوائيات، أوضح أنه عند إقامة أي مشروع يجب أن يكون متوازناً وأن يقدم قيمة مضافة وفق خطة وبرنامج زمني ومنهجية عمل واضحة بعيداً عن الارتجالية، وأن يكون لدى وزاراتنا وإداراتنا الحكومية تنسيق دائم ومستمر بهدف تحقيق توازن تنموي، مبيناً أن هناك متوالية من القيم تبدأ من إقامة المشاريع ولا تنتهي بتحريك عجلة العشرات من المهن، التي تعني فرص عمل جديدة وكبيرة، مباشرة وغير مباشرة.
بالنتيجة
لاشك أن موضوع السكن العشوائي كان هماً واهتماماً لدى العديد من الجهات العامة المعنية به، وكذلك عند الباحثين المهتمين، وأنجزت في هذا الإطار العديد من الدراسات، ولضعف مصادر البيانات التفصيلية الخاصة بهذه المناطق سابقاً، فقد تركزت معظم الدراسات السابقة على توصيف هذه الظاهرة (عمرانياً، اجتماعياً) بشكل عام، وإظهار أسبابها والنتائج السلبية لها، وتعدّ بعض الدراسات المنجزة ضمن وزارة الإدارة المحلية، إضافة لدراسات المؤسسة العامة للإسكان، من أهم الدراسات المنجزة من قبل القطاع العام، إضافة للعديد من الدراسات والتقارير المعدّة من قبل منظمات أو هيئات دولية، وكذلك دراسات فردية لباحثين سوريين تم تقديمها من خلال ندوات خاصة بالسكن العشوائي، لكن أياً من هذه الدراسات لم يكن له الصدى المطلوب على أرض الواقع، ويمكننا الجزم بأن معظم هذه الدراسات –وللأسف- لم يتعدَ أن يكون إلا حبراً على ورق، وإذا لم يكن لدينا خطوات فاعلة وجدية باتجاه هذا الملف الشائك فإننا سنكون أمام قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت.
على الطريق الصحيح
ولعل ما يدعو للتفاؤل أن معالجة مناطق السكن العشوائي قد تمت إضافتها -بناء على توصية لجنة الخدمات- إلى مهام الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، التي عملت من خلال تعديلها القانون الناظم لعملها رقم 15 والذي تمّ تعديله، وحالياً يُعمل على إعداد تعليماته التنفيذية، على أن تكون هي الجهة المعنية بهذا الملف عبر الاستفادة من خزينة السكن العشوائي التي أعدّتها هيئة التخطيط الإقليمي ووضع أولوية لاختيار المناطق المرشحة لبدء عملية المعالجة وإصدار قرارات إحداث هذه المناطق، ووضع دفاتر الشروط الفنية والمالية والحقوقية والإعلان عن تنفيذ المنطقة المحدثة، عبر تمكينها كجهة إدارية من الإعلان والتعاقد على تنفيذ مشروعات عقارية ولاسيما في مشروعات معالجة السكن العشوائي وتحديد مهل زمنية لمناطق التطوير العقاري المحدثة أو التي سيتمّ إحداثها لإعداد دفاتر الشروط والإعلان والتعاقد، ما يساعد في سرعة التنفيذ لهذه المناطق، وأنه سيتم تمويل بعض مشروعات إعادة تأهيل مناطق السكن العشوائي المحدثة وفق أحكام مشروع هذا القانون من الاعتمادات المخصّصة في صندوق الارتقاء للسكن العشوائي، إضافة لتوسيع إمكانات الهيئة ومنحها صلاحيات أوسع لتتمكن من حماية الاستثمار في مجال التطوير العقاري لزيادة مساهمته في عملية البناء وتشجيع تأسيس شركات قادرة على النهوض بهذا القطاع.
دمشق– حسن النابلسي