رأيمحليات

بين قوسين “خبزة وبصلة”

يتقن السوريون بحرفية المواطنة الحقّة والأصيلة قيادة آمالهم واستحقاقاتهم وتحويلها إلى إنجاز يصنّف في خانة الإرث الكبير لمجتمع استطاع عبر عقود صياغة أسس متينة لدولة تمكّنت بمساحتها الصغيرة جغرافياً والكبيرة بمكانتها ودورها وحضورها سياسياً واقتصادياً أن تقسم الأرض إلى قطبين حقيقيين حقّقا التوازن الدولي بامتياز.
لا جديد فيما آلت إليه التطوّرات الأخيرة على الساحة المحلية، إلا أن أبناء البلد آباء وأحفاداً يسطّرون في مواجهة الإرهاب كتاباً جديداً يضاف إلى تاريخ الأجداد الدسم من المعارك والوقائع في الدفاع عن الوطن، وسفر من الانتصارات المشهودة في البناء والإعمار التي شملت قطاعات وميادين الحياة بشتى تجلياتها.
عبر 68 عاماً عرف المواطن كيف تستطيع دولته ومؤسساتها أن تختزن وتحقق رقماً قياسياً في صيانة استقلالية وطنية لم يشهدها التاريخ ويلمسها القاصي والداني في كل صفحة وتجربة كان فيها القرار السيادي والوطني “صناعة محلية بامتياز” لا مكان فيها للإصبع الأجنبية والوصفات الخارجية التي لا تجلب سوى الجوع والفقر والتبعية لاستعمار أُجبر على الخروج من الأبواب طرداً يوم الجلاء العظيم بتاريخ 17 من نيسان عام 1946، ليستميت في إعادة إنتاج عدوانيته وكراهيته من نوافذ السيطرة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهذا ما لم يكن له أي فرصة في أرض لا تحتضن إلا أبناءها الأوفياء وتلفظ كل قدم متآمرة وحاقدة ويد مخرّبة ومؤذية وفكر رجعي هدّام.
عبر عقود الاستقلال لم يستطع أي مشروع استعماري أن يمرّ عند من خبِر فصول المقاومة والتصدّي لكل طامع مباشر أو غير مباشر، فمن كيس التحدّي والمواجهة تعلّم أهل هذه الأرض كيف يرسمون حياةً كريمة رأسمالها رأس مرفوع وكبرياء وشموخ بلا خنوع، وبتدرّج محبوك بقوّة كانت الإرادة والعزيمة اللتين جُبلتا بالقوة العسكرية والدفاعية ومخزون الاكتفاء الذاتي الغذائي الذي جعلنا بلداً يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع، وعندما تضيق الحال ويشتد الحصار والعقوبات والتجويع نرضى بكسرة الخبز والبصلة، وهذا ما تشهد عليه الماضيات من الأيام.
اليوم التاريخ يعيد نفسه، فذكرى الجلاء التي نسترجعها اليوم بإرهاب قرّر السوريون دولة ومؤسسات وأفراداً دحره ليس إلا جلاءً جديداً واستقلالاً وطنياً، يضاف إلى مسير مشرّف من الانتصارات التي بدأت منذ الاستقلال عن الفرنسي القديم لتُستتبع بغزو دولي غير مسبوق بعد ستة عقود لدولة ذنبها فقط أنها تحترم نفسها؟.
علي بلال قاسم