اقتصاد

تصديرها ينأى بالسوق المحلية عن الأولويات منتجات دوائية تكسر قاعدة الاكتفاء والفائض وتلحق بالصادرات على حساب الاحتياجات

تتعارض عمليات تصدير الأدوية مع أولوية سد الاحتياجات المحلية في السوق الدوائية، لأن التصدير المستمر والتسويق الخارجي للمنتج الدوائي من قبل الشركات المصنّعة بات يثير هواجس تكتنف هذه الأولوية على حساب الاكتفاء الذاتي والفقدان المتكرر لزمر دوائية (غير فائضة) تأخذ طريقها إلى الأسواق الخارجية دون السوق المحلية في أحايين كثيرة، ودليل ذلك انقطاع أصناف دوائية بين الحين والآخر ومنها أدوية ضرورية وحساسة، في حين يمكن أن نجدها في المنافذ التصديرية التي تستقطب جزءاً لا بأس به من منتجات شركات الصناعة الدوائية المحلية..
وما يثير الاستغراب خروج أصناف دوائية أحوج ما تكون إليها صيدلياتنا ومشافينا ومراكزنا الصحية في ظل الأزمة الراهنة، وهنا لا يمكن استبعاد هامش الربح من دوافع تصدير المنتج الدوائي المحلي، الذي يلقى دعم الدولة في كل حلقاته ومستلزماته لأجل تأمين الدواء بالمواصفات والكميات والأسعار المناسبة، وما تحظى به الشركات الدوائية من المزايا والتسهيلات في سبيل تأمين الدواء بشكل دائم للسوق المحلية، ورغم هذا نجد أن قسماً منه يأخذ طريقه إلى الأسواق الخارجية على حساب احتياجاتنا المحلية، كرمى تحصيل أرباح وعائدات، كلّفت الدولة الكثير من النفقات الناجمة عن دعم المحروقات والمواد الأولية والتسهيلات والإعفاءات الضريبية وغيرها من مزايا وأشكال دعم بات التصدير يلتهمها لطالما أن الحاجة إلى تأمين الدواء دفعت إلى تأمينه تهريباً نظراً لفقدانه من السوق الدوائية المحلية.
الدكتور فراس بسما نقيب صيادلة اللاذقية أوضح لـ”البعث” سبب انقطاع بعض الزمر الدوائية، مبيناً أن هناك أصنافاً دوائية يتكرر انقطاعها ويتعذر الحصول عليها لعدم توفرها واستجرارها من شركات ومعامل الأدوية، الأمر الذي سبّب خللاً في التوزيع، ودفع بالمحتاجين لها إلى الحصول عليها إما بأسعار مرتفعة عن سعرها الحقيقي أو الاضطرار إلى تأمينها تهريباً، ولكم أن تتوقعوا ما يسبّبه انتشار الدواء المهرب وحالات أخرى غير صحية في السوق الدوائية، من خسائر اقتصادية وصحية..
ولأجل تلافي هذا الواقع يؤكد بسما ضرورة الإسراع بإنشاء معامل دوائية في المنطقة الساحلية وتمكين النقابة من الإقلاع بمشروعها الدوائي في المنطقة الحرّة الداخلية، مشيراً إلى أن هذا المشروع المنتظر تمّ تداوله قبل يومين من خلال محافظ اللاذقية أحمد شيخ عبد القادر مع مدير عام مؤسسة المناطق الحرّة، وضرورة منح التسهيلات لتمكين نقابة صيادلة اللاذقية من إنجاز المصنع الدوائي في حرم المنطقة الحرة الداخلية في اللاذقية.

إعادة النظر في الانتشار الأفقي
إذاً لم تكن لدينا مشكلة في التصنيع الدوائي المحلي وهذا ما تجلّى بوضوح خلال الأزمة الراهنة التي تخطينا فيها العقوبات الجائرة التي طالت القطاع الصحي بشكل عام والدوائي على وجه التحديد، إلا أن القضية التي تكشفت بعد استهداف الاعتداءات للمنشآت الدوائية ومعاملها، تمثلت بتركز معظم هذه المنشآت في المنطقة الشمالية، في حين تسجل انتشاراً متواضعاً وخجولاً في بقية المناطق، لأن الاستثمار في قطاع التصنيع الدوائي لم يلق الأهمية الإستراتيجية المطلوبة في معظم المحافظات، ولنعترف أننا لم نعر اهتماماً لتوزيع استثمارات القطاع الدوائي منذ سنوات طويلة، وأغفلنا جدوى وحساسية هذا التوزيع سواء بتحفيز المستثمرين أم بتوفير المقومات التحتية والإجرائية والمزايا التشجيعية، أو منح التسهيلات أمام التصنيع الدوائي في منطقة مثل المنطقة الساحلية التي تفتقر لأي مصنع دوائي.

سؤال يطرح نفسه
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطعنا أن نحقق فورة استثمارية في القطاع السياحي؟، بلغت قيمة مشروعاته في محافظة اللاذقية أكثر من عشرين مليار ليرة سورية وبذلنا جهوداً تشاركية قصوى بين القطاعين العام والخاص لتذليل جميع الصعوبات والمعوقات وتوسيع مظلة التسهيلات والمحفزّات، بينما لم يدخل في حزمة المشروعات المطروحة والمتتابعة أي استثمار في القطاع الطبي والدوائي؟!، رغم أنه لا يخفى على أحد الأعباء الكثيرة التي يحتاجها نقل الدواء من مناطق التصنيع والإنتاج إلى مناطق التوزيع من عمليات حفظ وتخزين ونقل وشحن بمسافات تمتد مئات الكيلو مترات، مع لحظ هدر الزمن الذي يستغرقه نقل المنتج الدوائي، ولعل هذا الأمر الحيوي يكون محفّزاً حقيقياً للحظ منشآت للتصنيع الدوائي في أجندة استثماراتنا ومشروعاتنا الصناعية، وفي القطاعين العام والخاص على حدّ سواء.
اللاذقية- مروان حويجة