ثقافة

“من وحي الجلاء”.. نصر واستقلال ورموز لا تموت

التاريخ الذي يعيد نفسه يخبرنا بضرورة معرفته وقراءة خطوطه العريضة لنتعلم من  أحداثه ونتمثل انتصاراته، وهاهي ذكرى الجلاء تطل علينا لتعيد إلى ذاكرتنا لذة النصر والاستقلال وتحتفي برموز المقاومة. وقد أخذتنا ندوة “من وحي الجلاء” التي أقيمت في مركز الوثائق التاريخية إلى تفاصيل الجلاء وأبطاله وابتدأها الباحث غسان كلاس بالقول:  إن يوم الجلاء يوم خالد وعظيم، بل هو الأعظم في تاريخ أمتنا العربية، وهو خلاصة التضحيات والبطولات التي بدأت بمعركة ميسلون من خلال وقفة العز التي وقفها يوسف العظمة في محاولة لرد كيد الفرنسيين وإعلامهم أن الشعب السوري لا يضام ولا يرضى بالهوان، ومع أن العظمة كان يدرك أنه لا يمكن مواجهة هذه القوة العاتية الغاصبة ولكنها إرادة الشعب والمقاومة.
شهيد الجلاء الأول
وأضاف كلاس: إن يوسف العظمة هو شهيد الجلاء الأول فهو أول من قاوم وحارب وبعدها تتالت التضحيات والثورات من أقصى البلاد إلى أقصاها إلى أن تحقق الجلاء الذي نحتفي به، وأثبتنا من خلاله  التاريخ العظيم لسورية وأنها ستبقى مقصد كل الباحثين في العالم، فشعبنا خاض معارك الاستقلال بكل فئاته فلاحيه وعماله وطلابه لتحقيق النصر وقد قال شكري القوتلي في يوم الجلاء “هذا يوم تشرق فيه شمس الحرية ساطعة على وطنكم” وتلك البطولات التي قدمت في فترة الانتداب الفرنسي ليست غريبة على السوريين، ولذا لن يكون غريباً صمود سورية اليوم، فالأمم الأخرى لطالما كانت تنظر بعين طامعة لسورية،  ولكن لحمة الشعب الذي حقق الجلاء في يوم من الأيام تستطيع أن تنتصر اليوم على المرتزقة، فميسلون والجلاء في الذاكرة صنوان للبطولة والمقاومة ونحن أحوج ما نكون لهما الآن.
الجلاء والأدب
وانعكست معاني الجلاء على الأدب والأدباء وارتسمت في حروفهم ومؤلفاتهم وقد أشار كلاس إلى أن بطولات الجلاء تجسدت بوسائل أدبية وتاريخية شتى، وذكر الكتاب الهام الذي وضعه ساطع الحصري باسم “يوم ميسلون” إبان الاستقلال بسنة واحدة والذي كتب فيه عن تفاصيل معركة ميسلون، وأشار أيضاً إلى الكثير من المسرحيات والروايات فمثلاً فارس زرزور كتب “لن تسقط المدينة” وناديا خوست كتبت العديد من الروايات ومن جملتها رواية تاريخية موسوعية عن التربص التاريخي بسورية بدءاً بالاحتلال العثماني مروراً بالاحتلال الفرنسي، وكذلك رواية  “دمشق يا بسمة الحزن” لألفة الإدلبي التي انعكست على الدراما السورية وأخرجت كمسلسل جميل عبّر عن شهامة وأصالة وسمو الشعب السوري. كما أشار كلاس إلى كتاب “مختارات من شعر الجلاء” الذي تم إعداده بهذه المناسبة بتكليف من وزارة الثقافة وهو يضم  قصائد متداولة وأخرى  تسمع لأول مرة وفيه عشرون قصيدة لعشرين شاعراً كالشاعر المصري علي محمود طه، خليل مطران، زكي المحاسني، عمر أبو ريشة، الشاعر القروي، سليمان العيسى وغيرهم. واختتم كلاس مداخلته بقصيدة لبدر الدين حامد كان قد ألقاها على مدرج الجامعة وهي تعطي البعد الزمني للجلاء يقول فيها:
هذا التراب دم بالدمع ممتزج        تهب منه على الأجيال أنسام
يوم الجلاء هو الدنيا وزهوتها      لنا ابتهاج وللباغين إرغام.
جلاء آخر جندي
وعن انتهاكات الاحتلال الفرنسي لبلادنا تحدث الباحث شمس الدين العجلاني فقال: جثم المستعمر الفرنسي على أرض سورية وتمتع ببلادنا ونهب خيراتها ولم يكتف بهذا، بل هدم المدن والقرى وكانت دمشق أولى المدن التي هدمها فقد تعرضت للهدم مرتين والثانية كانت في عام 1945 حيث قُصف برلمانها وهي تعتبر أولى حادثة عبر التاريخ يتعرض فيها برلمان للقصف ولكن سورية بقيت مدرسة الحضارة وسيفها وقلمها.
وفيما يخص تسمية الجلاء بهذا الاسم أوضح العجلاني أنه فقط في سورية يسمى بيوم الجلاء فالبلدان الأخرى تدعوه بيوم الاستقلال فمع أنه أعلن استقلال سورية ثلاث مرات ولكن فرنسا تنصلت من تطبيقه وكان في سورية احتلال انكليزي وألماني وعدة قوى أخرى وليس فقط الفرنسي ولذلك لم نعترف بالاستقلال الذي منحته  فرنسا واعترفنا بجلاء آخر جندي أجنبي عن الأرض السورية فسمي بـ”الجلاء”.
أبطال صنعوا النصر
وللجلاء أبطال صنعوا النصر بأجسادهم وسطروا ملامح البطولة ولابد من الحديث عنهم  في كل ذكرى للجلاء، وقد أشار العجلاني إلى يوسف العظمة “أبو ليلى” الذي  استشهد وترك ابنته ليلى أمانة في أعناق السوريين ولعل الجملة المكتوبة فوق باب كلية الحقوق والتي لا ينتبه إليها أحد وهي عبارة “ثأر ميسلون” دليل على عدم نسيان بطولة ووصية العظمة، وكانت تلك أول مرة يرفع فيها العلم السوري فوق كلية الحقوق التي كانت وقتذاك ثكنة عسكرية، ولم  ينس العجلاني حسن الخراط الذي يعتبر أسطورة لا يجب تجاهلها ولقب بـ “حارس دمشق” فكان يصرخ بصوته الجهوري ويدعو الناس لقتال الفرنسيين  فتدب الحماسة بقلوب سامعيه ويهبوا لنجدة بلادهم، وقد شكل عقدة للفرنسيين فرغم استشهاده بقيت الحكايات والأساطير تؤلف عن عودته للحياة وللقتال.
ودعا العجلاني إلى ضرورة قراءة التاريخ  فهو يعيد نفسه وأمة لا تقرأ تاريخها لا يمكنها بناء مستقبله، فكما حدث في ميسلون حيث  شارك بالهجوم على سورية جنسيات مختلفة مراكشيين وأفارقة وغيرهم وكذلك اليوم تتعرض سورية إلى هجوم من جهات مختلفة أجنبية فالصراع على سورية صراع قديم وليس جديداً فقد مر عليها ليال سوداء ولكنها بقيت صامدة كقاسيونها.

لوردا فوزي