ثقافة

“أدب النصيحة” هل سيكون من الأجناس الأدبية الجديدة ؟

استغرقت الأجناس الأدبية المتنوعة من قصة – مسرحية – شعر زمناً طويلاً حتى توضحت أبعادها وملامحها ليصبح كل منها نوعاً قائماً بذاته، على الرغم من أن تلك الأبعاد قد تكون واضحة حيناً لتشف أحياناً أخرى حسب الجنس الأدبي وطبيعة علاقته بسواه. في ظل هذا فإن طرح أحد الأدباء لمشروع جنس أدبي جديد يضاف إلى ما سبق ينطوي على الكثير من الإشكالية ويضع من يبشر به في مغامرة غير معروفة النتائج، في هذا السياق يقدم الأديب أكرم شريم مشروعه أو لنقل محاولته بترسيخ جنس أدبي جديد تحت مسمى أدب النصيحة، جمعه في كتابه الذي يحمل العنوان ذاته، ويتضمن ثمانين نصيحة أدبية إنسانية، هذه التجربة وضعت على طاولة النقاش ضمن لقاء الأربعاء في مقر الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، واكتفى شريم في البداية بقراءة مقدمة كتابه التي تضمنت تعريفاً للنصيحة على اعتبارها كانت ولا تزال من أهم وأقدم الأجناس الأدبية في ثقافات الشعوب، لكنها كانت شفهية وتصبح اليوم مكتوبة وتضاف إلى الأجناس الأدبية المعروفة، وتتميز من الناحية الفنية بالسرعة والقصر لا تتجاوز الصفحة الواحدة، كما قرأ شريم النصيحة الأولى من الكتاب والتي تحمل عنوان أفضل الناس، وكان هذا كافياً ليخلق سجالاً لم ينته بانتهاء الجلسة.
في البداية أكد القاص أيمن الحسن الذي أدار الجلسة أنه فهم من كلمة أدب النصيحة الجذب الذي يقوم به الناس عامة بمعنى التعامل باحترام وشيء من الرهافة والذوق، من هنا يأتي أدب النصيحة بمعنى تقديم النصيحة بشيء من الذوق العالي، معتبراً أن الملاءة الوجدانية التي يتحدث عنها شريم في كتابه تشير إلى أن النصيحة لا تؤخذ من أي كان بل من خلال الخبرة بإنسان عرفناه يتعامل باحترام وبوجدانية.

وضع المصطلح في التداول
واعتبر حمزة برقاوي أمين سر اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين أن التراث الإنساني عموماً مليء بما يمكن أن نسميه النصيحة والفضل لشريم لأنه وضع المصطلح في التداول كون المصطلح لم يظهر بهذه الكينونة في الكتب التي اهتمت بالتوثيق، معتبراً أن النصيحة والمشورة تقتربان من بعضهما رغم أنهما قد تتباينان حسب الموقف، وقدم برقاوي بإيجاز عرضاً تاريخياً لتطور المشورة والنصيحة في المجتمع وركز على المشورة السياسية محاولاً ربط ذلك بأدب النصيحة.
أما القاص أحمد جميل الحسن، فقد كان له رأي آخر، حيث رأى أن هناك اختلافاً جوهرياً بين الشورى والنصيحة، فالأولى عبارة عن مشاورة بين الناس، أما الثانية فتقدم من شخص لآخر، متسائلاً كيف تكون النصيحة هل هي للخير أم للشر؟
ورأى الناقد أحمد هلال أن أدب النصيحة ينطوي على إشكالية أدب ونصيحة، فإذا كانت النصيحة قد ذكرتنا بأدب الحكمة –السلاطين- فإن كلمة أدب مختلفة تماماً فهل يمكن للنصيحة أن تنتج أدباً، وكيف يمكن أن نجعل من النصيحة أدباً له قوامه من الفكر والتأثير. وأضاف هلال: في أوروبا هناك ما يذكرنا بهذه التجربة، وهو أدب التفكير الإيجابي، ونحن هنا نتحدث مجازاً عن أدب ما قد يكون نصيحة توجه وتؤسس لقول شيء ما، فإن أردنا أن نشتق أدباً جديداً فهذا مشروع لأن النصوص التي جاءت تأخذ شكل مقالة مسرحية، وتأخذ من الأشكال الأدبية التي يمكنها أن تؤثر على القارئ، وتعدد الخطابات في هذه النصوص قد ينتج مجازاً هذا الأدب.

الحاجة لدراسات وبحوث
ورأى عبد الفتاح إدريس أن الحديث عن المشورة السياسية شيء مختلف ليس له علاقة بالأدب، معتبراً أن هناك قصصاً احتوتها أمهات الكتب وهذه جاءت في إطار الأدب، مضيفاً: قرأنا شيئاً اسمه أدب الحكمة في الأدب والشعر العربي من القديم إلى الحديث، وشعرنا العربي ثر بما يخص هذا الموضوع، من هنا عندما نريد أن نقول أدب النصيحة فنحن بحاجة لدراسات وأبحاث ورسالات جامعية تختص بهذا الموضوع.
أما الناقد محمد معتوق فقد ذهب باتجاه آخر من خلال عدة تساؤلات فيما إذا كان مطلوباً من الأدب الحديث أن يهتم بتقديم النصيحة مادام هناك جهات أخرى من واجبها أن تقوم بذلك كالوعاظ، فوجهة نظر معتوق تركز على ضرورة أن يكون الأديب حراً في تقديم ما يريد خصوصاً أن لكل مرحلة معطياتها التي تميزها عن سواها من هنا الأجدر بالمبدع أن يعبر عن القضايا الكبرى في المجتمع.
في النهاية قد يكون من المفيد الوقوف عند نقطة جاءت في مقدمة كتاب شريم، حيث يقول: يمكن أن تكون النصيحة بأسلوب القص أو بأسلوب مباشر، الأمر الذي يحررها من كل شروط وقواعد الكتابات الأخرى.
يفهم من هذا أن تلك دعوة من قبل شريم لإلباس النصيحة ثوب القصة أو المسرحية، والسؤال الذي يبرز هنا إلى أي مدى يمكن أن يسهم ذلك في التأسيس لجنس أدبي مستقل عن القالب الذي قدم من خلاله، وهل يمكن أن ينفصل أدب النصيحة بهذه الحالة عن القالب، أم أنه سيبقى تابعاً؟ يبقى هذا السؤال برسم الأديب شريم وغيره من الأدباء الذين تبنوا هذه التجربة وسيخوضون غمارها وربما تسهم جهودهم في ولادة أدب النصيحة وقد لا تفعل.

جلال نديم صالح