ثقافة

العفوية والصدق في شعر محمد خالد الخضر ديـــوان على ضفتــي الجـــرح نموذجـــــاً

بداية لابد من محاولة الولوج في البنية التركيبية التي يعتمد عليها الشاعر محمد خالد الخضر في نسيج قصائده، والتي تبدو واضحة خلال التعامل مع إحساسه الشعوري الملموس في أغلب قصائده، حيث تبدو الموسيقا، والألفاظ، والعمل الصحيح على كيفية استخدام الحروف أكثر ما يهتم به الشاعر، ولعل هذا الأمر قد لا يكون بمشيئته، لأن مجموعته تدل على انسياب القصيدة بشكل عفوي، أما حضوره فهو رهن الثقافة التي تعب عليها، وتراكمت عبر خياله، وذلك دليل موهبة متجذرة قادرة على صياغة الموضوع، والعمل على انعكاس الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر خلال تعامله مع المحيط الذي يعيشه، وهذا سبب رئيس في اختيار ولده، على سبيل الحصر، ليكلمه، ويكشف له ما يكنّ في داخله، وما يتمنى أن يكون في بلده، يقول في قصيدته /حسين/:
ولدي حسين/ أنت الصديق/ وأنت خلاصة الأحلام/ أنا قد خبأتك يا حبيبي للردى ومرارة الأيام/، إلى أن يقول: وإذا أتاني من أمامي حاقد/ ألقاك في غصص الصعاب أمامي/.
وهذا ما يشير أيضاً إلى تراكم المعرفة الموضوعية في ذهن الشاعر الخضر، وهذا التراكم المعرفي بما يحيط به هو الذي يخلق حواراً، وصراعاً في داخله، ومهما كانت العوائق، تتدافع الحروف لتشكل نغماً موسيقياً، سواء كان هذا النغم حزيناً أم فرحاً، وتسير عبر خط بياني يتصاعد مع الحدث، ويتكامل تكوينه إلى تشكيل لوحة فنية تحكي حكاية حدث لا يمكن أن نشك بوقوعه، وهذا أمر يميز أغلب قصائد الديوان، يقول في قصيدة /صديق الطفولة/ التي كتبها لصديقه بعد أن مات، ولم يتمكن من حضور جنازته بسبب ما يدور في سورية:
أتذكر يا صديقي كيف كنا لا نخاف من الزمان؟
نجوب الدرب والأشجار والوادي.. ونرفل بالحنان
أتذكر كيف كانت جدتي في الحقل تعطينا السكاكر والأماني.
وتبدو العفوية واضحة دون أن تتدخل في ثقافة الشاعر التي بدت أيضاً واضحة في مقدرته على صياغة المفردات بشكل قريب إلى المتلقي، ومن الواضح أيضاً أنه يقيم مملكة شعرية خاصة به، فحين يتأثر، لا أحد يمنعه من الكتابة، وحين تتداعى الذكريات في مخيلته التي ارتسمت عليها كثير من الجراح أيضاً، لا أحد يمنعه من الكتابة، وهذا نراه في قصيدته /ليلى في الخيال/ التي يقول فيها:
وأذكر عندما كنا/ نسير على السطوح/ ونضحك كالنجوم/ أمام الله نقطف قبلة حرة/ تسافر كالعبير/ إلى البيادر والتخوم/.
وبذلك نجد أن الشاعر لا يتحفظ أبداً، ويقول ما يجول في خاطره، ويعبر عن كثير مما يريد، ومما تريد البيئة الاجتماعية التي يريد لها أن تسمو، وتبتعد عن عيوبها وأخطائها، وهذا ضمن المنظومة الشعرية التي يعتمدها محمد الخضر في كافة قصائده التي أشرنا إلى أنها تتدفق بشكل عفوي، إضافة إلى الجرأة الموجودة داخله التي تدفعه دائماً للإقدام، فهو يكشف ما يدور في بلده، ويعترض رغم كل ما يحدق به، وهذا ما تجلى في قصيدته التي كتبها لأمه في يوم عيدها، وقال فيها:
رأيت الشمس تسقط والهضاب
ويبكي فــــــــي مغانينـــــــا التراب
رأيت اللــــــــــــــــــه يا أمــــــــاه يأتي
ويعقد حول قريتنا الحســــــــــاب
ويسأل كيف مال الدهر حتـــــــــــى
رماني الذئب وانكسر العقـــــــــاب
ولشدة العفوية، والتعامل الصادق مع المعطيات التي تحيط بقصيدة الشاعر، ظهرت جوانب صوفية في كشف زيف التكفيريين، وإظهار الحقيقة الصحيحة لرفض الأنظمة الإلهية لكل ما يحدق بالإنسان من قتل، وتدمير.
شذى حمود