ثقافة

الموسيقى الغربية والشرقية والفروق بينهما

يبدو وكأن الموسيقى الغربية تلوح بعصا سحرية لجيل الشباب فتجذبهم إليها وتسرقهم من موسيقاهم الشرقية وتحول أنماط الاستماع لديهم فبدل “السلطنة “وقول “الآه” عند سماع أغنية لأم كلثوم أصبح الجسد  بكامله يتحرك بصخب عند سماع مقطوعة غربية مبهرة.. فما أسباب تحول الشباب عن الموسيقى الشرقية، وما الفرق بينها وبين الغربية وما السر الذي تملكه الأخيرة لاستقطاب الشباب. هذا ما تضمنته محاضرة “واقع الموسيقى الشرقية والغربية والفروق بينهما” في منتدى البناء  الثقافي والذي أشار فيها  الباحث الموسيقي وضاح رجب باشا إلى أنه عندما نمتلك ثقافة موسيقية نستطيع تقييم الأداء الموسيقي، وعندما يكون الجمهور مثقفاً يستطيع فهم المعنى الحقيقي للموسيقى الشرقية والغربية والاختلافات بينهما وتنوعهما، ومع أن الموسيقى ترفيه للنفس، لكن هي أولاً علم كغيره من العلوم ويجب الاهتمام بها كثقافة وكعلم.

وضع الأسس
واقع التغيير والتطور يفرض وجوده حتى على الموسيقى التي لم تكن على الشكل الذي نعرفه اليوم والموسيقى الغربية مرت بمجموعة مراحل قبل أن تتجسد بشكلها الحالي، وعن واقعها وتطورها ذكر رجب باشا أن الموسيقى الغربية كانت ريفية فوضوية لاتعتمد أي أسس فكانت تعتمد على التراث الأندلسي والموسيقى الريفية في أواسط أوروبا، وفي عام 1706 بدأ علماء الرياضيات والموسيقى الغربيين بوضع الأسس لها وألغوا جميع السلالم الموسيقية ووحدوهم في سلّمين موسيقيين فقط هما الميجور والمانور (ويقابلهما النهاوند والعجم) وبذلك ضيقوا الخناق على الموسيقيين الراغبين في التأليف، لكنهم استعاضوا عن هذا التضييق بشيئين هما التآلف الموسيقي (الهارموني ) والتقنية العالية.
أما فيما يخص الموسيقى الشرقية فهي تضم في جوانبها كل موسيقى العالم وهي نتيجة تفاعل المجتمعات الشرقية الممتدة من قارة أفريقيا إلى قارة آسيا فهي نتيجة تفاعل الشعوب المختلفة مع بعضها على مدى مئات الأعوام، والبلاد العربية احتضنت الموسيقى الشرقية أكثر من أي مجتمع آخر وسورية تحديداً احتضنت كل مقومات الموسيقى العربية وأعطت الدول العربية 70% من الموسيقيين والملحنين والمبدعين.

تخوف من غياب “السميعة”
وأبدى رجب باشا تخوفه من انحسار اهتمام الشباب بالموسيقى الشرقية الصحيحة والذي أرجعه لمجموعة أسباب هي تراجع وانخفاض الأداء الموسيقي بكل مستوياته بما في ذلك التلحين والغناء واستخدام المقامات الشرقية وعدم التذوق الصحيح للموسيقى وغياب “السميعة” فالموسيقى تعتمد على المبدعين والمتذوقين معاً، مما أدى إلى انحسار الإبداع وتراجع اهتمام الجمهور بالموسيقى وكذلك غياب الثقافة الموسيقية، لذلك من الضروري تثقيف الشباب موسيقياً وجعلهم يتقبلون موسيقانا وتقريبها لهم لاستعادة مكانتها.
وأضاف: قد تكون التقنية الحديثة ساعدت في هذا فهي أتاحت الوصول إلى كم هائل من الأغنيات بسرعة وبسهولة، فالشباب اليوم يستمع إلى احدث الأغاني الغربية بغاية النقاء وبأحدث التقنيات فجيل الشباب يتجه للغربي لأنه يسمع صوتاً نقياً جدا فهم يستخدمون آلات حديثة مما يعطي لذة في الاستماع وسهولة في عملية العزف وبساطة الجملة الموسيقية فهي أسهل بكثير من أي جملة شرقية، مما يجعل الشباب يقبل عليها وهناك مسؤولية تقع علينا في تقديم مادة موسيقية شرقية تتقبلها الأذن لاستقطاب الشباب وتعريفه بالموسيقى الشرقية على حقيقتها لذلك يجب أن أعود إلى الموسيقى الشرقية  فأنقحها وأشذبها وامنحها السرعة الصحيحة لأقدمها بشكل جميل.
ورأى رجب باشا أن هناك خطورة في دخول بعض الآلات الغربية كالأورغ إلى الموسيقى الشرقية فرغم تقنيتها إلا أنها آلة تخضع للمؤثرات الصوتية لا أكثر وهي لا تناسبها، وقد شوّهت الموسيقى الشرقية ويبرز خطرها لأنها تهدد بنسف أسس بنيت منذ ألاف السنين ولذا يجب اختراع آلات تتوافق مع الأسس الشرقية وأبعادها الموسيقية.

هوية الموسيقى
ولكل موسيقى هويتها وطابعها الخاص فالاختلاف يولد الإبداع، وتختلف الموسيقى الغربية عن الشرقية بمجموعة من الصفات نوه إليها رجب باشا حيث أن الموسيقى الغربية تعتمد على السرعة والتوزيع الموسيقي والتقنية العالية والإبهار وقوة وتنسيق ملفت بين الآلات، بينما الشرقية تتسم بالهدوء والسلاسة والتدرج في السرعة وتلامس القلب والوجدان وتعتمد الأسلوب الطربي كما تعتمد على تقسيم موسيقي مختلف عن الموسيقى الغربية وفيها أكثر من 90 سلماً موسيقياً بينما الغربية تعتمد على سلمين فقط وهي أقل تعقيداً من الشرقية التي ابتدأ التعقيد فيها من عملية تقسيم السلم الموسيقي الذي تم تحديد أبعاده في الموسيقى الغربية  بتقسيمات متساوية إلى 12 جزءاً مما سهل عملية تناول الموسيقى ودراستها، أما الشرقية فقسمت إلى 53 جزءاً وبأبعاد غير متساوية مما يشكل صعوبة في دراستها.
و تساءل رجب باشا عن أسباب انحدار الموسيقى الغربية والشرقية على حد سواء فأوضح أنه على الرغم من كون المتلقي يلعب دورا هاماً في هذا ولكنه  ليس الحكم، فمن يحكم على الجيد والسيئ هم الباحثون والدارسون وقد تراجعوا بشكل هائل والعلم بدون باحث  يشكل أزمة حقيقية، ولتلافي هذا الانحدار هناك نداءات هائلة لانفتاح الموسيقى الغربية على موسيقى الشعوب الأخرى وأما الشرقية فعلينا الاهتمام بتراثنا الشرقي لنقدمه بصورة جميلة لشباب اليوم.
لوردا فوزي