اقتصاد

نقطة ساخنة ثقافة هدامة

بين الكرم والإسراف خطٌ واهٍ، وبين الاقتصاد والهدر خيط رفيع، أما تشعبات الهدر والإسراف المعقّدة والمتضخمة بالتراكم فتسحق معها أي ميزة للكرم وأي إيجابية للاقتصاد، خاصة إذا كان الأخير مشفوعاً بالفساد.
وكما يحتّم الواقع الراهن إعادة النظر ببعض “الشيم” التي كانت يوماً ما مبعث اعتزاز ومعيار تأصل، وعلى رأسها “الكرم”، يحتّم أيضاً إعادة النظر في آليات عمل كثيرة، انطلاقاً من الترشيد أولاً ومن شح الموارد تالياً، بعد أن وصل الهدر إلى حدّ استنزاف الموارد الباقية، وعامل هدم لأي محاولة نهوض قطاعي بقصد أو بغير قصد.
وإذا كان الدعم أحد أوسع أبواب الهدر من خلال تفاصيل العلاقة التي تحكم توريد المواد المدعومة، وآليات التوزيع وإيصالها إلى مستحقيها، فإن موضوع الإنتاج والاستيراد مقارنة بالحاجة يطغى على جميع أشكال الهدر.
ولو تمّ أخذ الإنتاج الزراعي أولاً، فإن الوفرة في إنتاج بعض المحاصيل تتحوّل من نعمة إلى نقمة نتيجة البعد عن التدبير وهدر المنتج على عتبات الأسواق أو الانتهاء إلى القمامة نتيجة غياب قنوات التصريف، كما في محصول الحمضيات الذي تنتج سورية منه أكثر من مليون طن يذهب 60% منه للاستهلاك المحلي والباقي إلى غياهب المجهول غير المجدي، كذلك زيت الزيتون الذي دخل لعبة التّجار هذا العام بعيداً عن مبادرات تصريف الإنتاج  الحكومية، طبعاً إذا تمّ التصدير لأي منتج  يكون “دوغما” ولا يعرف أي شكل من أشكال التغليف والتوضيب المتعارف عليه كعامل لزيادة القيم المضافة.
أما المتربع على رأس الإنتاج المهدور فهو الخبز، حيث يتمّ التفريط سنوياً بـ 4 مليارات رغيف، إذ تنتج سورية 16 مليار رغيف، تستهلك 12 ملياراً ويهدر الباقي،علماً أننا نستورد القمح حالياً، إضافة إلى ارتفاع تكاليف القمح المنتج لدينا على حساب الموارد المائية وتقليص المساحات المزروعة.
المشكلة أننا نغرق في التفاصيل والأدوات عند الحديث عن أي معضلة، ونتحدث عن دعم الزراعة ودعم الطاقة والمواد الأساسية وتوفير المياه ومستلزمات الإنتاج وغيرها، لكن لا نتحدث عن النتيجة، فأين يمسي الإنتاج أو المواد المستوردة، وما هي المعالجات لتقليص الفاقد من هذه السلع وتعظيم الفائدة من التكلفة؟!.
أما السؤال الأهم فهو: هل مكوّنات الصورة فعلاً تتسم بالعشوائية وعدم الإدراك، أم إنها جزء من حلقات الفساد التي لم تستطع الحكومة كسر أي منها حتى الآن؟!.

سامية يوسف
samiay@gmail.com