اقتصاد

الزراعة العضوية بين التنفيذ المرغوب والإعداد المطلوب

لسنوات عدة مضت أصبح من المجمع عليه طبياً وزراعياً وعلمياًً ومحلياً وعالمياً، أن الأسمدة الكيماوية التي شاع استعمالها لعقود مضت تترك أثرها الضار على التربة والنبات والحيوان والإنسان والهواء والماء، فبعض الأراضي خرجت جزئياً أو كلياً من الاستثمار الزراعي نظراً لما انتابها من ملوحة أوغير ذلك من آثار السماد الكيماوي.
وثبت بالدليل القاطع أن كثيراً من الأمراض التي يصاب بها الإنسان والحيوان، تعزى لمنعكسات ما ينجم عن السماد الكيماوي من آثار على منتجات الأرض من المواد الغذائية التي يتناولها الإنسان والحيوان، ومن المؤكد أن قسماً كبيراً من ملوثات الماء والهواء ينجم عن انتشار استخدام هذا السماد.
كل ذلك أسس لإجماع علمي وطبي وإنساني، لدى جميع الباحثين والدارسين والمسؤولين بضرورة التخفيف التدريجي من استخدام السماد الكيماوي، والعودة إلى استخدام السماد العضوي المعروف والمعهود استخدامه قبل عقود من السنين، نظراً لعدم إمكانية الاستغناء السريع عن السماد الكيماوي، بسبب ما انتاب كميات السماد العضوي اللازم، من نقص كبير نتيجة تدني تربية الثروة الحيوانية، خلافاً لما كان عليه الحال قبل عقود، يوم كانت الثروة الحيوانية موجودة بكثافة في كامل الريف السوري، إذ كان يندر أن توجد أسرة ريفية لا تملك أكثر من نوع من الماشية، فالزراعة وتربية الحيوان كانتا مترافقتين، وكانت الحقول الزراعية لكل قرية تغصّ بآلاف الماشية كل نهار ترعى العشب الأخضر واليابس الذي يُباد بعضه الآن بالمبيدات الكيمائية أو يتلف أو يحرق، وكان روث الماشية يسمّد التربة، وهي ترعى في الأرض، والروث الناتج في الحظائر يجمع ويوزع في الأرض قبل زراعتها في كل موسم، حيث كان لدى كل مزارع حيوانات تكفي لتسميد مزروعاته، دون أن يجد حاجة للسماد الكيماوي، الذي لم يكن حينئذ متوفراً نظراً لعدم الحاجة له، ولم يكن المزارع يومئذ ينتظر مؤسسة الأعلاف ومصانع العلف بل كان يؤمن المواد العلفية لحيواناته من إنتاج حقوله.
الزراعة العضوية المنشودة الآن، لم ولن تتحقق من خلال القرارات والرغبات والأمنيات، أوبمزيد من الشروحات والتوضيحات والتوجيهات والتحذيرات، بل من خلال العمل على إيجاد مكونات إنتاج السماد العضوي، وهذا يتطلب المزيد من تشجيع العمل الزراعي، والتأسيس لاستعادة تربية الثروة الحيوانية المتنوعة لدى كل مزارع، بغية تمكين نفسه من إنتاج السماد العضوي الذي يحتاجه لمزروعاته.
وهذا يتطلب أن توجّه الدولة قسماً كبيراً من الاستثمارات الحكومية، وأيضاً أن توجّه الاستثمارات الخاصة بهذا الاتجاه، بعيداً عن اقتصار توجهها للأعمال المصرفية والسياحية والخدمية، وأن تكون نسبة كبيرة من القروض المصرفية موجهة باتجاه تنمية الثروة الحيوانية بالدرجة الأولى، وهذا يتطلب المزيد من القيود في وجه العديد من الاستثمارات الأخرى، والمزيد من التسهيلات أمام أي ناشط أو نشاط في مجال الزراعة وتربية الحيوان، وأن يتم اعتماد الزراعة والتربية الحيوانية مجال عمل أولي ورئيسي للشاكين من البطالة، أكان ذلك عبر تحقيق متطلبات ذلك لدى كثير منهم، عبر حقولهم ومنشآتهم الخاصة، أومن خلال قيام الدولة بتشغيلهم في حظائر تربية حيوانية ودواجن تُشيدها ضمن قطاع كل بلدية، باعتماد أن يكون أجر العامل حصة من الإنتاج الذي يحققه، لاجتناب تكرار ما تحقق من خسائر في الحظائر الحكومية السابقة، والعمل على إعادة تنشيط عمل هذه المزارع.
أيضاً من الضروري الحد- إلى درجة المنع– من ذبح الإناث وتهريبها إلى الخارج، ولا يغيب عن البال ضرورة توفر شركات تسويق تضمن تأمين الأعلاف اللازمة والمدروسة صحياً وبانتظام، خاصة لمربي الحظائر، واستلام المنتج الحيواني، كل ذلك بأسعار مدروسة تؤمن تحقيق دخل مناسب للمربين يضمن لهم عيشاً كريماً.
ومن المؤكد أن ذلك يتطلّب تشييد العديد من منشآت تصنيع فائض المنتج الحيواني لغاية الاستهلاك المحلي أو التصدير، ضماناً لاجتناب حدوث فائض إنتاجي لدى المنتج، يؤدي لانخفاض سعر المنتج عن التكلفة والعائد الإضافي اللازم تحققه، كل ذلك يتطلب حضور إشرافي ميداني ومجاني لوزارة الزراعة، من خلال الوحدات الإرشادية الموجودة ضمن قطاع كل بلدية، ومن المقتضى أن تعمل وزارة الزراعة لتشييد حظائر خاصة بها، ضمن قطاع كل وحدة إرشادية، بحيث يكون عملها وإنتاجها قدوة للمربين.

عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية