اقتصاد

مبررات عدم حل أزمة السكن تغلّف تقصير وفساد مكونات القطاع العقاري الجمعيات السكنية حصيلة “سوداوية” بعد وعود “لازوردية”

يضيع “دم” القطاع العقاري المنحور على مقصلة التعقيدات المستحيلة الحل عند حضور الاتهامات المتبادلة بين الجهات ذات العلاقة، حتى يخيّل لكل مستمع إلى شجون القطاع العام أو الخاص أو التعاوني أن “الحظ المشؤوم” لملف العقارات ليس من فعلتهم وإنما هو “رصد” نصبه أحد الحاسدين، ولا يمكن فكّ طلاسمه الأبدية.
فمن وحي تقاذف المسؤولية وإبعاد أي لوم عن عاتق تعثر إحداث تقدم في حلحلة أزمة السكن في سورية، لا يمكن تبرئة أي طرف من هؤلاء من الضربات المتتالية التي أصابت أرجل هذا القطاع حتى وصل به الأمر إلى السير على كرسي مدولب صدئ، وجعل من رحلة سيره عديمة الجدوى عند كل محاولة، وبدل أن يسجّل تقدماً في محاولة نهوضه يزيد الأمر سوءاً والتعقيد تعقيداً.

من العنوان
رغم المراسيم المتعددة التي حاولت تنظيم هذا القطاع وإحداث هيئة للتطوير العقاري وهيئة للتمويل وغيرها، بقي الأداء العقاري ليس بالحد الأدنى فقط وإنما بالصورة المشوهة، طبعاً ذلك قبل الأزمة الراهنة، فكيف حاله مقارنة بتداعياتها التي أحدثت تغيرات ديموغرافية جديدة، وقلبت معادلات وفرضت شروطاً كثيرة على صعيد إيجاد مساكن، إذ إنه عند مراجعة “المجلدات الضخمة” التي رافقت حركة هذا القطاع وتفاصيل نشاطه خلال العقدين الماضيين لا يمكن الخروج بنتيجة تقارب حجم هذه المجلدات، ويمكن وصفها “بالقزمة” قياساً إلى الجلجلة التي أحدثها كل قرار أو كل تفصيل، سواء في القطاع الحكومي أو التعاوني أو الخاص.
أما المعالجات الترميمية ذات العائد المنخفض والترقيع الذي يموّه التقاعس تارة وينمّ عن العجز عن إحراز تقدم تارة أخرى، يخرج على شكل فقاعات بين الحين والآخر كردّات فعل عكسية، تشي بأن الحركة ليست ناتجة عن جسد قطاع معافى أو مأمول بتعافيه، ويترك غياب الحالة الصحية له أمام المضاربين وتجار العقارات والمتطفلين على هذا القطاع مرتعاً لتحقيق أمجادهم على حساب طالبي السكن الذين أصبحوا “أغلبية”.
“تعاوني”
رغم أن الماضي يشهد، إلا أنه لا يمكن الوقوف على الأخطاء القديمة إلا للتذكير، وعندما يبدأ قطاع التعاون السكني بمطالباته التي يقول عنها إنها تقف عقبة في وجه تغطيته للجزء المنتظر منه في تأمين المساكن يفتح ملفه “غير المرضي” بيديه، فمن المؤكد أن الروتين والبيروقراطية يعيقان عمل هذا القطاع لكن ليست هناك آليات شفافة لعمله، وفي حين تتم المطالبة بمنح قروض، تتم المطالبة بجدولتها وإعفاءات من غرامات التأخير التي ليس لها مبرر لكثير من الجمعيات التي يتجاوز عددها 2800 جمعية، والحكومة تقول: إن أهم ما يجب عمله للحصول على الدعم الحكومي هو شفافية عمل اتحادات التعاون السكني، وتنظيمه وفق قاعدة بيانات دقيقة يتم من خلالها إيضاح الخطط الراهنة والمستقبلية والاحتياجات والإمكانات لخلق توازن في السوق الإسكاني.

تقاذف
بينما يستغيث قطاع التعاون السكني من احتكار القطاع الخاص –ذي السجل السيئ- للأراضي، حيث تنتظر 2800 جمعية إيجاد أراض لتقوم بتأمين مساكن لـ800 ألف عضو منتسب، وتؤكد إدارته أن الخطة الخمسية الحادية عشرة أوكلت إلى قطاع التعاون السكني مهمة إنجاز هذه المساكن لكن لم يتم توزيع قطعة أرض واحدة لأي جمعية في سورية، ترى الحكومة أن هذا القطاع يحتاج إلى إعادة النظر في آليات عمله، وتحقيق تكافؤ الفرص بين محتاجي السكن وتحديد المتطلبات والمبررات المنطقية لاستحقاق الدعم الحكومي، والحؤول دون تحويل قطاع التعاون السكني المخصص لذوي الدخل المحدود إلى مرفق للاحتكار والاستثمار الربحي.
ومن جهة أخرى يطالب هذا القطاع بتحديد أراضٍ للاصطياف، في حين يجب أن تكون المطالبات مبنية على معطيات الواقع الراهن ومن منطلق أن السياحة لن يكون لها مستقبل واضح على الأقل على المدى القصير، فلماذا لا يتم تخصيص الأراضي للسكن وتحوير كتلة الأموال سواء الموجودة في حوزتهم أم القروض التي تطالب بها هذه الجمعيات لحل أزمة السكن؟.
“بالمكيول”
مع المآخذ الكبيرة على القطاع الخاص قبل العام والتعاوني في ملف الإسكان، تبدو معظم مبررات الأخير غير مقنعة حين يحضر التساؤل عن نسبة مساهمته في حل أزمة السكن على مدى عقود، وخاصة أن جل هذه الحجج لم تكن حاضرة قبل الأزمة، ومع ذلك يطالب بدعم الجمعيات التعاونية السكنية مادياً، ومشاركة الاتحاد في إصدار دليل سعري لكلفة البناء التعاوني ومتابعة إنجاز المخططات والمسح الطبوغرافي لإعداد المخططات التنظيمية وتوسيعها، أيضاً استصدار دليل يسمح بوجود مجلس مدينة ولجنة إقليمية خاصة بكل ضاحية أو مدينة جديدة، وأن تتم معاملة مشروعات التعاون السكني المرخصة وفق نظام بناء خاص ومعتمد بقرارات نظامية صادرة عن جهات معينة محددة، وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة وتأمين مقاسم الأرض اللازمة وتخديمها بالمرافق العامة وبالسعر الأدنى، كذلك يطالبون بإحداث مصرف تعاوني، وتخفيض نفقات قروض التعاون السكني وإعادة النظر بأنموذج عقد الاعتماد والقرض، والاكتفاء بالكشف التقديري المقدم من الجمعية كأساس لتحديد مبلغ ونسبة القرض من الكلفة، ويدعون إلى اعتماد الجدول الخاص بأسماء المقترضين من أعضاء الجمعية ومعاملة قطاع التعاون السكني معاملة القطاع العام عند تحديد كميات مواد البناء اللازمة، وتبسيط إجراءات القرض وزيادة مدة السداد إلى 20 و25 سنة وإخضاع مشروعات الجمعيات الاصطيافية إلى معدل فائدة قرض السكن العادي نفسه.

أما بعد
رغم طول قائمة مطالبات التعاون السكني، ومنطقية بعضها، إلا أن تاريخ معظم جمعياته يشهد لها بعدم نظافة اليد، فلماذا لا تُقدم مبادرة حسن نية لانتزاع الدعم الحكومي، من خلال تقديم مشروع أنموذجي حتى لو كان عبر “تحالف” بين هذه الجمعيات، وعندها فقط “الماء يكذّب الغطاس”؟.
دمشق – سامية يوسف