ثقافة

بين أصبع مكسور ومحبة دامية.. بارقة انتصار وبيان عشق

مابين مبدعين عدنان كنفاني وأيمن الحسن، قدم الناقد عاطف بطرس رؤية خاصة ذات انحرافات في أمسية الأربعاء في المركز الثقافي العربي في المزة، إذ قدم كنفاني قصة (رصاصة وإصبع مكسور) بادئا بـ (اطمئن أنت بخير)، ما فتح أفق المستمع للبداية المفتاحية المفاجئة التي تنبئ بمفاجأة ما، وأن هناك الكثير قادم والأكثر مما مضى، فيفتح أفق السرد بجمل قصيرة، ومكثفة، لاتخلو من النسج الحكائي المشغول بعناية حتى في أشد تفاصيل الوجع.
بدءا من لكمة على الباب تواجه مسدساً محشواً بالرصاص، ونهاية بإصبع مرفوعة في مواجهة رصاصة أخطأت مسارها بعد أن أرسَل “شيخ مزعوم” من هو تحت إمرته لقتل رجل لم يمتثل لظلاميتهم، فغدا بنظرهم كافراً..
جسد عار غارق في البياض وابنة تبكي، ثم تغيير في الزمان والمكان نحو سجن أكثر انغلاقاً على نفسه، حيث تبرز شخصية برهان الذي يحفر أنفاقاً مجبراً مقابل لقيمات وجرعة ماء ولايدري لماذا، كما تعود للذاكرة صورة الطفلة التي ماتت جوعاً على كتف أمها وآخر مسلح قبيح مواجهها يجتر الطعام بشراهة ويبتسم، لتسيطر الصورة المفجوعة على الحكاية، فيما ينحرف النص تماماً مع وصف كنفاني لزجاج النوافذ إذ يقول: (يتفكك الضباب الذي أمام عيني، كما تنساب حبيبات الماء التي تشكلها مناخات الغرف الدافئة في فصل البرد على النوافذ، بدأت الصورة تتشكل أمام ناظري، تحمل أجزاءها الغائمة وتتشكل).
وبما أن القصة مستوحاة من الواقع السوري يرد كنفاني في ختام قصته على من اعتبر حب الوطن والإخلاص له جريمة وتجب تصفيته فيقول: (هذه الرصاصة المصقولة، أخطأت مسارها في جسدي، واستقرت في موضع آمن، وهاهي ذي الآن في راحة يدي، إلى جانب إصبع يدي الأوسط المكسور كسراً مضاعفاً على إثر اللكمة القاضية وقد أثقلوه بالجبس، فانتصب يتحدى). مشيراً إلى سورية رغم وجعها والمسلوب من أرواح أبنائها فهي تداوي نفسها وستنتصر.
أما أيمن الحسن فقد تنوعت قراءاته بين “مقطعيات” متصلة وقصص قصيرة جداً، محملة بالشغف والوجع، ترتكز على نقطة النسغ العشتاري التي اعتمدها الحسن لتوازي الوجود الأدونيسي، وماهي إلا بيان عن بدء الحياة  منته بتوقيعه حتى اللحظة.
من يتابع التجربة الأدبية لأيمن الحسن يجد أنه يجاري نفسه ليتفوق عليها، إذ تبدأ مقطعياته بوئام ثم خصوبة يليها مخاصمة، تعاون ثم العمل، يليه رد الاعتبار، لينهي بـ (مظلومان) وجميعها كنايات عن حياة رجل وامرأة تمثلا بعشتار وأدونيس، فداخل كل رجل هناك أدونيس نائم كما داخل كل امرأة عشتار الخصوبة التي جملّها، إذ قال (أصابه سهم في أعلى ذراعه فوسد أذنه على جلد الأرض، وأدرك أن الأعداء قريبون، وسرعان مانادى ثوره المجنح، ركبه واتجه نحو الكهف المهجور استعداداً لملاقاة الأعداء، وهو يعترف حين نتحد نصبح أقوى، فكّ قيود عشتار فأشفقت عليه وطببت جرحه الذي نزف بغزارة طوال الطريق فنبتت حيث سقطت قطرات من دمه ورود الشقائق الحمراء على الأرض)، ثم يكمل مقطعياته بتوثيقات لما يجري خلف بعض كواليس الأدب والحياة فيسبر العوالم الجوانية  بدقة وتأن لم تغب عنهما الصورة الشعرية، كما ورغم قصر المقطعيات فإنها لم تخل من النسيج والقوام القصصي رغم غياب الحوار عن بعض مقطعياتها إلا أنها فتحت الأفق لجنس أدبي جديد يحمل مقومات ومعايير خاصة من لغة وصور وشاعرية وجمل مشغولة بعناية.
فيما رأى الناقد عاطف بطرس أن قصة كنفاني ذات مقومات كاملة بمافيها من نسج وحوار وتداعيات واختلاط للأزمنة، وتعدد الشخصيات، وقد أكد حالة الضياع التي خلطت المفاهيم فيما لم تعتمد على السردية، بل بدت القصة نموذجاً متكاملاً لكتابة القصة فيما لم تضف لرصيد كنفاني الكبير نقلة جديدة، بل كانت أقرب إلى نقل المعلومة والكاتب ليس مطالباً بهذا إن لم يضف لرصيده شيء.
(فيما أعتقد أن على الأدباء جميعاً الاشتغال على توثيق ما يجري في سورية لنتمكن من توثيق الحقيقة دون مواربة قد تشوه شموخ الواقع السوري)
أيضاً وجد بطرس في قراءات أيمن الحسن تفاوتاً في البنية من حيث ارتكازه على توظيف الأسطورة أدونيس وعشتار والقيامة، مستخدماً تقنية جديدة، ضمن التجريب والتجديد، كما أنه أيضاً لم يضف علامة فارقة لتجربته الأدبية، كما لابد للنصوص برأي بطرس أن تبقى خارج التجنيس واعتبرها محاولة ابتكار شكل ما من الكتابة في عالم السرديات، فالحسن  بعيد بنصوصه الجديدة عن مسطرة الأجناس.
ويضيف بطرس: لابد من تقويم ماهية الألوان الأدبية مع الاحتفاظ بحق الكاتب في فتح الباب على مصراعيه لاستعارة جنس من آخر.

ديمه داوودي