ثقافة

تميزت بحرصها على التراث واللغة العربية: وداد سكاكيني.. الكاتبة التي أنصفت المرأة

قال فيها طه حسين: “اقرؤوا هذه الكاتبة برويّة، فهي مجلّية في باب البحث، وأدب السيرة”، أما محمد مندور فقال: “إذا كان قراء العربية قد عرفوها أديبة قصصية ملتزمة بالقيم الإنسانية الرفيعة، فإنهم عرفوها أيضاً ناقدة ملتزمة، وقد أتت إلى الأدب مسوقة بطبعها المخلص الجريء”، أما بشارة الخوري فحين قرأ كتابها الأول “الخطرات”، قال: “تصفحت كتاب الخطرات فإذا أنا عند خطرات خليقة بأن تكون غذاء للناشئة، فكراً، وبياناً، وأدباً سهلاً”، بتلك الكلمات وصِفَت الأديبة وداد سكاكيني من قبل شخصيات هامة، في حين كان من الصعوبة بمكان بالنسبة لابنتها د. سماء محاسني، في ندوة عن الأديبة ضمن سلسلة “أعلام خالدون” التي يقيمها المركز الثقافي العربي «أبو رمانة»، أن تلخص مسيرة حياة سكاكيني كأديبة وأم، وهي التي تعي تماماً جزءاً كبيراً من إنجازاتها، مبينة في تصريحها الخاص لـ “البعث” أنها وعت تألق أدب والدتها في مصر، حين استقرت فيها مع عائلتها الصغيرة، مشيرة إلى أن نتاجها الفكري سرعان ما وصل إلى أهم المجلات والصحف منذ ثلاثينيات القرن العشرين، ونكاد لا نجد مجلة أو صحيفة في سورية، أو مصر، أو لبنان تخلو من كتاباتها بين عامي 1928 وحتى أواخر الثمانينيات، فبرز اسمها في وقت كانت فيه الكاتبات قليلات، موضحة “د. محاسني” أن تألّق أدب سكاكيني في مصر يعود لوجود رعيل كبير من الأدباء هناك، وقد التقت معظمهم أمثال: طه حسين، توفيق الحكيم، مصطفى العقاد، كما أتيح لها المجال لأن تطبع كتبها، وهي التي ذهبت إلى مصر، ولم تكن قد نشرت سوى كتابها “الخطرات”، لتتابع هناك مشوارها الأدبي، حيث أنجزت مجموعاتها القصصية: “الستار المرفوع- بين النيل والنخيل- مرايا الناس- نفوس تتكلم”، وكلها مستوحاة من البيئة المصرية بحكم وجودها في مصر، وتؤكد د. محاسني أن الهمّ الأساسي لسكاكيني ككاتبة كان الحديث عن قضايا المرأة، وقد برز ذلك في كل كتاباتها: (مقال-قصة-رواية)، فعبّرت عن المرأة، ومشاكلها في البيئة الشامية من خلال روايتيها: “أروى بنت الخطوب”، وهي رواية تاريخية، و”الحب الحرام”، وهي رواية اجتماعية واقعية، كما ترجمت هذا الاهتمام بقضايا المرأة، وبشكل كبير من خلال كتابها الهام “إنصاف المرأة” الذي خصصته للدفاع عن قضاياها، مشيرة إلى أنها ورثت موهبة أمها في الكتابة، والبحث بين الكتب، فكانت علاقتها بالكتاب متينة منذ صغرها، إلى أن درست علم المكتبات في الجامعة، لتعمل بعد ذلك في المكتبة الظاهرية، ومجمع اللغة العربية، وممارسة الترجمة من الانكليزية إلى العربية.
أنصفت مي زيادة
وتبين د. محاسني أن الكثيرين لا يعرفون أن سكاكيني كانت بعيدة عن انشغالات المرأة الأنثى في نفسها، وملابسها، والمبالغة في التأنّق، وكان جلّ ما يهمها الإجادة في كتاباتها، وتشجيع الأدباء الناشئين من خلال توجيههم، وتقديم النصائح، وفي مقدمتها: عدم التسرّع في النشر، والتأنّي، وأنها تركت بعد رحيلها كتابها “وجوه عربية على ضفاف النيل” مخطوطاً، فدفعت به شقيقتها للنشر، وكانت سكاكيني قد تحدثت فيه عن شخصيات سورية، ولبنانية بارزة نزحت إلى مصر، أما آخر مجموعاتها القصصية فكانت بعنوان “أقوى من السنين” التي صدرت عن اتحاد الكتّاب العرب عام 1978، وفيها أحداث قصصها من البيئة الشامية، ومن هنا تميزت سكاكيني بالواقعية في تصويرها لشخصيات نسائية في العالم الحقيقي الذي عاشت فيه، أما في مجال فن التراجم الأدبية والتاريخية فلديها، كما تقول د. محاسني “مي زيادة” الذي يعدّ برأيها من أفضل الدراسات التي قُدِّمَت عن زيادة، مشيرة إلى أن سكاكيني توخت الدقة في تحرّي الحقيقة عن قصة حياة هذه الأديبة، فأنصفتها مما التُبِسَ في أذهان الناس عنها، كما يعدّ كتابها “أمهات المؤمنين وبنات الرسول” من أبرز كتبها في التراجم التاريخية، وهو كتاب يختلط فيه أدب سكاكيني بالتاريخ الإسلامي.
وعن نشاطها الاجتماعي والأدبي توضح د. محاسني أن سكاكيني أسهمت في الحياة الاجتماعية، والأدبية، والثقافية باشتراكها في كثير من الندوات النسائية كمنتدى سكينة، وهو صالون أدبي في دمشق كان يرتاده كبار الأدباء، بالإضافة إلى عضويتها في جمعية الندوة الثقافية النسائية التي أُسست في دمشق عام 1942، ومساهماتها في المؤتمرات الأدبية العربية.

سطور تتجاوب
وتشير د. محاسني إلى أن أسلوب سكاكيني في الكتابة تميز بالمحافظة على التراث الأدبي وقيمته من خلال التمسّك باللغة العربية الفصحى، ومحاربة الدعوات إلى العامية، والابتعاد عن البيان العربيّ السليم، فعُرِفت بأسلوبها القوي المتين الذي يتميز عن كثير من الكاتبات بقوة البيان العربيّ الأصيل، ويتمتع بسلاسة البلاغة، والذوق البارع في انتقاء أساليب التعبير، بالإضافة إلى قدرتها على التصوير دون تكلّف أو تصنّع، كما كانت تنتقد بشدة عدم توخّي الدقة والصحة في الكتابة، ومن هنا برزت كناقدة أدبية مهمة، وكان لها في هذا المجال كتاب هامّ بعنوان “سطور تتجاوب”، وفيه تحدثت عن هموم النقد، ومقوماته الأساسية، وقد لخصتها بالتمرّس بسيرة الأدب، والتمكّن من اللغة، والبيان، ومعرفة أسرار البلاغة، مع إجادة للّغة العربية، أو لغات أخرى للتمكّن من الاطلاع على الآداب الأخرى، وتاريخ النقد، بالإضافة إلى بعض الإلمام بعلم النفس، إلى جانب التمتّع بالموضوعية .
وتنوه محاسني في ختام كلامها بتكريم الدولة لسكاكيني من خلال تسمية أحد شوارع دمشق باسمها، بقرار صدر عن مجلس محافظة دمشق عام 2011.
أمينة عباس