اقتصادتتمات الاولى

السماح للجمعيات السكنية باستملاك الأراضي ودعم منتجي مواد البناء مطلبان أساسيان

السكن العشوائي يواصل زحفه.. ومقولة “الأولوية لإيواء المهجرين” تطرب الجهات الرقابية مبررة تقاعسها
ارتفعت أسعار العقارات بشكل جنوني في المحافظات والمناطق الآمنة خلال الأزمة بمعدل تراوح بين 3 إلى 4 أضعاف في الأماكن العقارية النظامية، وإلى نحو الضعفين في أحياء السكن العشوائي، بسبب هجرة عشرات الآلاف من عائلات المناطق الساخنة  التي توافدت إليها طالبة الأمن والأمان من ممارسات العصابات الإرهابية، ما أدى بالكثير من متعهدي وتجار البناء إلى تشييد الأبنية بزمن قياسي بغض النظر عن كونها نظامية أم مخالفة، وجودتها ومدى ملاءمتها للسكن الصحي والسليم.

خطر حقيقي
انتشرت مناطق السكن العشوائي في محافظات كان وجودها فيها شبه معدوم كالسويداء وطرطوس، وأكثر من ذلك بحيث بات الأمر يشكل خطراً حقيقياً على حياة قاطنيها بعد أن دفع جشع المقاولين ومشغليهم إلى اختصار كمية التسليح واستخدام أردأ مواد البناء، وتقليل كميات الاسمنت، وعدم سقاية الأبنية بشكل جيد تضمن تماسك الأسقف والجدران، والغاية كسب أرباح هائلة بزمن قياسي -على مبدأ “ضروب وهروب” بحسب تعبير الدكتور منير الأطرش أستاذ كلية الهندسة المدنية بجامعة تشرين، الذي رأى في تصريح لـ”البعث” أن الجودة في التعمير والتصميم باتا آخر ما يفكر بهما متعهدو البناء، لذلك سيفاجأ مشترو العقارات بعد سنتين إلى ثلاث سنوات بظهور مشاكل مثل تصدعات الجدران وخلل في الأساس..الخ.
سيشكل السكن العشوائي والبناء المخالف -أينما وجد- كارثة حقيقية مستقبلاً إن استمرت الجهات المعنية (البلديات، نقابات المهندسين، حماية المستهلك) بتجاهل عمليات الإنشاء وعدم مراقبة كميات مواد البناء اللازمة، والتجهيز والمدد الزمنية الكافية والوافية ليكون المنزل صالحاً للسكن، كما يقول الدكتور الأطرش، مطالباً الحكومة بتسهيل عمليات الاستملاك لصالح الجمعيات السكنية لتبني مساكن وتزيد المعروض في السوق من أجل توفير منازل للمواطنين بأسعار معقولة، تكسر من حدة جشع تجار الأزمات في العقارات؟!.

غياب الاستثمار
إن ارتفاع طلبات الأسر المهجّرة في المناطق الآمنة على المساكن سواء كان بهدف التملك أو الإيجار، دفع بالجهات الرقابية “العقارية” مكرهة إلى التساهل تجاه المتعهدين لتأمين مأوى لهؤلاء القادمين الجدد، ويلفت الدكتور المهندس جندب محمد زعرور أستاذ كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق لـ”البعث” إلى أن محافظة طرطوس –على سبيل المثال-زاد عدد سكانها مرتين عمن كان يقطنها قبل الأزمة؛ وبالغياب شبه التام لشركات الاستثمار في قطاع العقارات انتشر دخلاء على المهنة لا يفقهون بالتعمير، همهم الأرباح، والغش وسيلتهم للكسب السريع والكبير، حسب تعبير زعرور، رغم ذلك يعتقد أن حركة البناء منخفضة جداً قياساً بالطلب الهائل، وبالتالي جنون الأسعار سيكون نتيجة حتمية، إذا ما أضفنا تضخم أسعار مواد البناء وعدم ثبات تسعيرتها عند مستويات محددة وذلك يعود إلى اللاستقرار في سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
عوامل عديدة غير مشجعة لدى رجال “البزنس” للاستثمار في مجال العقارات بخلاف الاستثمار في التجارة والزراعة والإنتاج الزراعي، مثلاً، التي تحقق عوائد جيدة مجزية للعاملين فيها -من وجهة نظر أستاذ الهندسة بجامعة دمشق- الذي أكد أهمية المحافظة على ثبات أسعار مواد البناء المستوردة لمدد زمنية طويلة، وحث وتشجيع مصانع مواد البناء المحلية على زيادة طاقتها الإنتاجية ودعمها لتنتج بتكلفة منخفضة، وهذا بدوره يحفز مؤسسات وجمعيات التعمير والإنشاء على الاستثمار في هذا القطاع، ويحرضها على تشييد مساكن نظامية غير مخالفة لشروط البناء.
محاولات خجولة
محاولات الحكومة التي بذلتها الدولة في إعادة تأهيل المناطق المدمّرة كانت خجولة بعض الشيء وفاشلة في أحيان أخرى -بناءً على دراسة أعدّها الخبير والباحث العقاري الدكتور عمار اليوسف- التي أشارت إلى أن عدم استقرار الوضع الأمني في تلك المناطق واستمرار التوتر، أدى إلى عدم فاعلية الإجراءات الحكومية في تمكين السكان من العودة إلى منازلهم، كما لم يلاحظ أي بوادر لخطوط استباقية الهدف منها إعادة البناء بالسرعة المطلوبة، وحسب دراسة اليوسف، لدينا في سورية ما يقلّ قليلاً عن مليوني مسكن بحاجة إلى معالجة خدمية إنشائية وإعادة تأهيل للبنى التحتية، وجميع المستفيدين من تلك المساكن بحاجة إلى معالجة إسعافية سريعة، وإن كل ما قامت به الحكومة أنها سعت من خلال إحداث الكثير من مراكز الإيواء إلى إيجاد نوع من المعالجة التلطيفية التي وإن كانت قامت بدور متميز في استيعاب اللاجئين، إلا أنها تبقى معالجة وقتية لا تحل المشاكل الأساسية وهي حاجة المواطنين للسكن.

تشكيك!
رغم صدور القانون 40 لعام 2012 المتعلق بمخالفات السكن، مازالت الحكومة تغضّ الطرف عن تجاوزات متعهدي البناء، وتشيّد وبشكل جنوني ضمن الريف والمدن السورية مساكن غير نظامية، فهي في الوقت ذاته لم تصدر أي مخططات تنظيمية جديدة سوى ما جاء به المرسومان التنظيميان المتعلقان بمنطقة المزة وبساتين الرازي الذي حُدّدت مدة إنجازه بـ 5 سنوات، مشككاً خبير العقارات أنه سينتهي قبل عشرين عاماً، كما لم تقم المؤسسة العامة للإسكان ووزارة الإسكان بأي خطوات عملية لحل مشكلة المساكن، فهي وإن وضعت حجر الأساس لإنشاء مدينة في منطقة الديماس على سبيل المثال، فإن هذا المشروع سيستغرق سنوات طويلة قبل إنجازه، وهي إن خصّصت 1800 مسكن شبابي فهي لم تسلم هذه المساكن مما يخرجها عن الخارطة العقارية إلى حين التسليم بعد مدة “الله يعلمها”، كما لم نلاحظ صدور أي قانون جديد يتعلق بالحالة العقارية في سورية الهدف منه معالجة القديم والتوجه نحو الجديد.
سامر حلاس