ثقافة

“تلازم النقد والإبداع” في ملتقى الأربعاء

كعادته يسعى الملتقى الذي تقيمه الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين لاستضافة تجارب في الشعر والقصة، بعضها لأسماء جديدة، وأخرى لأسماء خطت مرحلة مهمة في كتابتها الإبداعية، ما يخلق مزيجاً جميلاً يضعه على طاولة النقد، ومؤخراً جمع ذلك اللقاء الذي أداره القاص أحمد جميل الحسن كلاً من الشعراء محمود جمعة الذي قدم قصيدة حملت عنوان “اختزال وطن”، فيما حملت قصيدة محمد معتوق عنوان “أشبه الغيم وليس الخصب سواي”، أما قصيدتا نورس العلي فكانتا: “جناس مشبوه بين الوطن والكفن – الصعود إلى الهاوية”، وختام الشعر كان مع زينب الشيخ في قصيدتين: “هدأة الغسق– حبات العقيق”،  وعنونت القاصة ديمه داوودي قصتها بـ “رجل وابتسامة غبار”، والبداية كانت مع الناقد عماد فياض الذي رأى أن قصيدة محمود جمعة جميلة بدأ بها من داخل الحكاية، وهي قصيدة قصة تبرز فيها الروح التهكمية، والتفاصيل الجميلة من قلب المأساة، أما قصيدة محمد معتوق فقد كانت طافحة بالنرجسية، تتضمن الكثير من الأسئلة، إنها باختصار قصيدة البوح، والوجع، والألم، وهي مشغولة بأنامل الروح، أما عن قصيدتي زينب الشيخ،  فقال فياض: هدأة الغسق، قصيدة الحنين، والاحتفاء بالشهادة والشهداء والموت، وهي مشغولة بروح شفافة، ولكن أحياناً عندما تكون القصيدة طويلة نرى الكلام العادي، فنشعر أن القصيدة أفلتت من بين أصابع الشاعر، ويخف فيها الزخم الذي بدأت به، وفيما يخص قصيدتي نورس العلي، رأى فياض أن القصيدة الأولى قصيدة اللوعة، والفقد، والجميل فيها هو تلخيص الفكرة الصوفية للحياة، أما القصيدة الثانية العمودية فدائماً تتداخل لدى القارئ أصوات لشعراء آخرين، فيضيع صوت الشاعر الحقيقي، وهذا ربما كان مأزق القصيدة العمودية، والمأزق الآخر هو قافية الفاء التي اختارها العلي، ورأى فياض أنها تثقل القصيدة، أما قصة ديمه داوودي فقد أكد فياض أنها تبدأ من عنوان متناقض، وغريب، والبداية نافذة صغيرة تطل على شارع، لتشكل عتبة مفتوحة أمام القارئ، وأضاف فياض: إنها قصة الفقد، ونحن كبشر لا نعرف قيمة الآخر حتى نفقده.
يقودني التذوق
وقدم عبد الفتاح ادريس، نائب رئيس الاتحاد، رأياً فيما سمع، مؤكداً أن ما يقوده إلى النص هو التذوق، وأنا لست محباً للنقد اللاذع، بل أحب أن يظهر الناقد آفاق الجمال في النص.. لقد استمتعت بما سمعت من شعر، وقصة، ولفتت نظري في الشعر العمودي لدى  نورس قافية الفاء، وهي تكاد تكون قليلة في الشعر العربي، وأعتقد أن هذا نوع من الإبداع.

تتوسل الاختلاف الجميل
أما الناقد أحمد هلال، فقد قدم رأياً مختلفاً حول النصوص، مؤكداً أن ما سمعته ليس جميلاً، إنما يتوسل ذلك الاختلاف الجميل، بمعنى أن ذائقتنا تتطلب من الشعر أن يكون مختلفاً، وليس جميلاً فحسب، فالجمال هنا هو جمال الحالة، والتأثير، والتشكيل اللغوي، ما نبحث عنه في النصوص، هو مدى اختلافها، ومدى ما تنجزه لذائقتنا من متعة متحققة، ومن خيال آسر، وقد أسعدني فيما سمعته اليوم أن تيمة الموت التي حضرت في معظم النصوص لم تكن لذاتها، وإنما كان الموت هو المدخل الضروري، ليقولوا إننا مازلنا على هذه الأرض نحيا، وعن قصيدة جمعة قال هلال: عندما سمعتها قفزت إلى ذهني الإرهاصات الأولى لقصيدة محمود درويش الأولى: “سجل أنا عربي”، أعني عندما لا يكون الشاعر صدى لليوميات، والواقع، بل عندما يعود ليكون رؤية للواقع نفسه، ليتجاوزه بأدواته، وليصبح الشعر في عين العاصفة والتأثير، أما قصيدة  معتوق فقد كانت بشيء من الاختلاف، وكثافة الوجدان، واللغة، وحملت نفساً ملحمياً، ذاهبة لتشاغل القارئ خارج حوافها، وهواجسها، وعن قصيدتي زينب قال هلال: اقتربت من سردية الشعر على حساب الشعر ذاته، وهذا مشروع، لكنه لو أتى على طريقة المقتطفات، أو الومضات لكان أسهل على التلقي، ومع ذلك زينب تتجاوز نفسها باستمرار، لا لتكتب ألمها الخاص، أو لتبوح بألق وجدانها، وإنما توظف ذلك لتبني قولاً شعرياً متماسكاً يهجس بكوامنها، ودلالات إبداعها، ورأى هلال أن النص الأول لنورس محترف متمكن من أدواته، ولغته، لكنه مضبوط بطريقة صارمة لم تترك حرية للتأمل، أما القصيدة العمودية فهي خيار أسلوبي، لكن السؤال المطروح: ما القيمة التي تضيفها القصيدة، إن لم يكن صاحبها قد تجاوز ليعطي موضوعات جديدة، أو يقفز من منصة الحاضر إلى المستقبل، وختم هلال بالحديث عن قصة داوودي، معتبراً أنها تبني دائماً لفكرتها عمارة لغوية باذخة تقترب من الحس الشعري، والموضوع الذي قدمته داوودي كان على شيء من الجدة، والابتكار، كما أنها ذهبت مذهباً سيكولوجياً واضحاً، لتقرأ ذاكرة الرجل القاتل، وكأنه توقف به الزمن، مستحضرة لحظة من الماضي لتبدأ قصتها.

تحمل الكثير من الشاعرية
ختام الآراء النقدية كان مع القاص أيمن الحسن الذي أشار إلى الاختلاف في الأسلوب، والمستوى بين النصوص، معتبراً أن نص جمعة: “اختزال وطن”، وهذا الوقوف الذليل أمام طابور الإعاشة، جعل الدخول في الحكاية موفقاً، لكنه رأى أن جمعة يتعب في نحت قصيدته كثيراً، حتى إن الوزن أحياناً يخاتله حتى يجعله يصير إليه، وقارن الحسن بيت قصيدة جمعة ومعتوق، مؤكداً أنهما أسلوبان مختلفان، فأسلوب محمد بسيط، سهل يعطي المعنى بسهولة، أما أسلوب جمعة فيتوسل العمق ليصل إلى ما يريد، كما أن عنوان قصيدة جمعة طويل نسبياً، وجزء منه يغني عن الآخر، أما رأيه فيما قدمته زينب فقال الحسن: تحدثت الشاعرة عن الشهيد بعنوان جميل جداً، وقصيدتها مشغولة بعناية، لكني أشعر بأن هناك كلاماً مجانياً يمكن حذفه لتحافظ القصيدة على ألقها من البداية إلى النهاية، كما توقف الحسن عند عنوان قصيدة نورس “جناس مشبوه بين الوطن والكفن “، معتبراً أن العنوان طويل، وجزء منه يكفي ليعطي المعنى، أما عنوان الصعود إلى الهاوية فهو عنوان لفيلم، ولا يعفي الكاتب أنه لم يطلع، أما الختام فكان حول قصة داوودي، حيث اعتبر الحسن أن كتابتها تحمل الكثير من الشاعرية، والوجد، ورأى أن العنوان “رجل وابتسامة غبار” جميل، يمازج بين الحقيقي، وغير الحقيقي، كما أشار إلى الوقفات الجميلة في القصة، والتي تحمل شيئاً من الحكمة.

جلال نديم صالح