اقتصاد

مجلس طارئ لإيجاد الحلول العاجلة.. خيار واجب لاستقرار الأسعار! الغش الصناعي يتعاظم.. وتدني القدرة الشرائية علامة فارقة..

أسعار السلع الأساسية للمواطن تراجعت، إلا أن متوسط الرواتب والأجور المنخفض قياساً بالتضخم الحاصل جرّاء تداعيات الأزمة أدى إلى تدني القدرة الشرائية، ظواهر أخرى تفشّت كالنار بالهشيم، وانعكست سلباً على المستهلك، مثل الغش الذي تفاقم لسببين:
الأول: دخول متطفلين على الصناعة ومهن لا يمتّون لها بصلة، والثاني: غياب الرقابة والقوانين الرادعة، وتعاظم ظاهرة احتكار القلة نتيجة الأرباح الباهظة العائدة لإخفاء مواد ضرورية لفترة من الزمن أو حصر استيرادها وإنتاجها بعدد محدود من التجار والمنتجين.
الدور الأبرز لهدوء الأسواق خلال الأشهر الستة الماضية يعود لاستقرار سعر صرف العملات، خلاصة خرج بها وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك سمير قاضي أمين خلال ندوة تحت عنوان”توفير احتياجات المواطنين مسؤولية مشتركة”، مشيراً إلى تراجع بالأسعار نسبته بين 15 إلى 60%، وذلك حسب الجودة والمواصفات، وبكل صراحة اعترف أمين أنه رغم كل الإجراءات التي اتخذتها الوزارة في ضبط حركة البيع والشراء وارتفاع الأسعار وتلمسها انخفاض سعر العديد من السلع، إلا أنها–أيّ الوزارة – مازالت تجد أنها لم تتمكن من تخفيف الأعباء الاقتصادية على المواطنين وتوفير مستلزمات ومقومات صموده بالشكل الأمثل.

اتفاق ضمني
مما لا شك فيه، أن الجميع متفق على توفير الحكومة لمختلف السلع والمواد الغذائية الأساسية بأسعار هي أرخص من أسعار الدول المجاورة، ورغم الغلاء الذي تشهده أسواقنا، ومشاكل سعر صرف الليرة وتداعيات الحصار والمقاطعة الاقتصادية، وانعكاس ذلك على عملية الاستيراد والتصدير، تم ضبط وإلى حدّ ما ارتفاع الأسعار.
جملة من المقدمات أثّرت أيضاً على تدني القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير خلال الأزمة، وعدّت بالنسبة لرئيس غرف التجارة غسان القلاع مشكلة رئيسية ترافقت مع زيادة الأسعار، دون أن يدخل في التفاصيل، طالب القلاع الحكومة باستراتيجية أولوياتها زيادة الإنتاج والاستثمار ودعم قطاع الزراعة والمنتجات الزراعية والحيوانية، لرفع حجم المعروض بالأسواق من السلع والمواد المنتجة محلياً بما يضمن تحقيق تراجع جيد في الأسعار ومن ثم إمكانية زيادة القدرة الشرائية.
القلاع – شهبندر التجار- كما رغب العديد من المتحدثين بالندوة تسميته – نوّه في خضم دفاعه المستميت عن مهنة التجارة،  بأن الظروف الاستثنائية لم تمنع المستوردين من تأمين المواد، وتذبذب الدولار وعودة ارتفاعه في الشهر الفائت إلى 163 ليرة لم يؤدِ إلى زيادة في الأسعار، متهماً وزارة الاقتصاد والمصرف المركزي بعدم الإنصاف في توزيع تمويل القطع الأجنبي بين التجار، مشيراً إلى أنه يوجد”خيار وفقوس” بالمعاملة!، كاشفاً عن قيام بعض المصارف الخاصة “”المسموح لها بالتمويل” بمنح الدولار لتجار غير مسجلين بغرف التجارة، متسائلاً: كيف يتم التمويل دون إجازات استيراد؟، ولماذا لا يرفع سقف التمويل بما يمكن التاجر”النظامي” من استيراد كميات أكبر؟، وقاطع الوزير أمين هنا القلاع، لافتاً إلى سير الحكومة في خطة ترشيد الاستيراد بحيث تحصر عمليات التمويل في السلع الأساسية، و يكون الطلب على المواد الكمالية وفق الحاجة القصوى لها، والمراد منها.

استقراء ورصد
إنشاء مرصد بوزارة التجارة الداخلية غايته استقراء المستقبل، سيؤدي إلى استقرار أفضل في الأسعار، من وجهة نظر القلاع، الذي رأى فيه ضرورة تمليها الظروف ولا تعطي فرصة لصعود الأسعار من جديد، على اعتبار أن معرفة احتياجات السوق من “البطاطا” وزيادة المعروض منها في الأسواق سيمنع ارتفاع سعر هذه السلعة الرئيسية، على سبيل المثال.
أما رجل الدين الشيخ عمر حوري، اقترح تشكيل لجنة طوارئ مؤلفة من ممثلين عن الجهات الحكومية المعنية وغرف التجارة والصناعة وحماية المستهلك بحيث تجتمع كل 15 يوماً لمناقشة القضايا المستجدة في الأسواق والأخطاء المرتكبة، وإيجاد حلول سريعة للإشكاليات.
تعقيباً على هذه التوصيات، وبإيحاء على تأييدها، لم يخفِِ الوزير وجود أزمة أخلاق لدى بعض المنتجين والتجار!، ومع استمرار الحديث، على أن الأسعار مازالت مرتفعة، هناك من يعتقد أن أسعار السلع في سورية هي أرخص من مثيلاتها في أسواق الدول المجاورة، لكن عمليات تسعيرها بنيت على خسارة منذ البداية، وذلك لعدة أسباب يذكر وبإيجاز التاجر بشار النوري أهمها: كتقلبات سعر الصرف، وتدفق كميات كبيرة من المواد على شكل إعانات- نسبة عالية منها قام مستحقوها ببيعها بالأسواق بأسعار رخيصة جداً – وبالتالي زاد المعروض بالأسواق وأدى إلى انخفاض أسعار السلع المشابهة لها التي استوردها التاجر بأسعار مرتفعة، على ذمة النوري، الذي أعرب عن مخاوف تنتاب التاجر السوري من تعاظم دور القطاع العام في الاستيراد والتسويق محلياً عبر منافذ البيع التابعة له، مطالباً الحكومة بالمحافظة على التاجر الشريف الذي وقف بإخلاص مع الوطن في الأزمات التي مرّت عليه.

الأكثر غشاً
في سياق إمكانية زيادة المعروض من المنتجات الزراعية والخضار والفواكه، لفت الشيخ حوري إلى مطالب المنتجين المقيمين بمنطقة محدودة من الغوطة الشرقية “الواقعة تحت سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة” السماح بإدخال منتجاتهم إلى أسواق دمشق وريفها، ما يساهم في خفض أسعار تلك المواد، أكد وزير التجارة الداخلية أن هذه المنتجات سيتم إخراجها من الغوطة بناء على سير المصالحة الوطنية التي تقوم بها الحكومة.
ظاهرة الغش الصناعي، تبرز هذه المرة وبقوة على طاولة الحكومة، بعد أن وصل الغش إلى السلع الأساسية الأكثر طلباً، وذلك حسب اعترافات أفشى بها رئيس اتحاد الحرفيين مروان دباس، وقد يكون للخبز والمعجنات الأخرى المصنعة في المخابز الخاصة النصيب الأكبر من التلاعب بالمواصفات من حيث الكميات المطلوبة من الخميرة وإدخال كميات من قشر القمح بدلاً عن الطحين، والمنظفات بالمرتبة الثانية عبر مضاعفة حجم الملح في المادة على حساب المواد الأولية الفعالة، والحلاوة الطحينية، وطلب من وزير حماية المستهلك بأخذ المعنيين لعينات وتحليلها مخبرياً وتشديد الرقابة على المنتجين، حفاظاً على صحة المستهلك، عازياً تفاقم ظاهرة الغش إلى دخول الكثيرين على مصالح لا يفقهون بها شيئاً، لغياب المتابعة والمحاسبة من قبل الأجهزة الحكومية المختصة من جهة، وتعاظم الأرباح التجارية التي أغرت البعض ودفعتهم للإنتاج من جهة ثانية.

ساهمت بالغلاء
تضخم الأسعار هو الظاهرة الأكثر وضوحاً الآن، حتى إن استقر لفترة زمنية– نتيجة الكل متفق عليها- وجمعية حماية المستهلك بدورها مصرّة على أن الحكومة برفعها لأسعار المحروقات والطاقة.. مساهمة بشكل أو بآخر في الغلاء، وهي وراء الفجوة الكبيرة التي مازالت تتسع بين الدخول والأسعار- كما يعتقد عدنان دخاخني رئيس الجمعية – وأنه كما لها الحق – أيّ الحكومة – في جني الإيرادات من واجبها تجاه المواطن السعي لزيادة دخله لتأمين متطلباته الأساسية، أو عليها إيجاد الحلول المناسبة لخفض الأسعار بما يتناسب والقدرة الشرائية الراهنة.
الوزير أمين، ممثلاً للحكومة في هذه الجلسة، لم يستطع التزام الصمت، مبيّناً أن الدولة أصبحت تستورد 75 %من النفط والمشتقات النفطية وتتحمل نفقات كبيرة جراء الأزمة، وقد يكون من المستحيل رفع الأجور والرواتب في ظل تدني الإيرادات.
من منطلق كلنا شركاء حقيقيون في تطلعاتنا وأهدافنا للوقوف بإخلاص وأمانة لتأمين الغذاء للمواطن وحياته المعيشية والدور المنوط بكل جهة لتخفيف الأعباء الاقتصادية، وتحت هذا العنوان، عقدت هذه الندوة برعاية وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وبحضور معاون الوزير المهندس جمال الدين شعيب والمديرين المركزيين بالوزارة والمديرين العامين لمؤسسات الاستهلاكية والخزن والتسويق وسندس، وممثلي الجهات الاقتصادية الأخرى، وعدد كبير من ممثلي وسائل الإعلام المحلية.
دمشق – سامر حلاس