محليات

بين قوسين انتصار الشهادة

عندما تستقبل الأمهات جثامين أبنائهن الطاهرة بزغاريد الفخر والاعتزاز ليزفوا أبطالاً ميامين في أعراس الشهادة إلى مختلف القرى والمناطق، فهذا يثبت أن الشهادة ليست حالة عابرة في حياة الشعب الذي عشق الشهادة، وقدّم على مدى عقود طويلة قوافل الشهداء الذين رسموا بدمائهم الزكية خارطة الحرية والسيادة التي يحاول أولئك الواهمون تغيير إحداثياتها وطمس حدودها والتلاعب ببوصلتها وسمتها السوري الذي لم ولن يحيد عن وحدته الوطنية وعروبته الخالصة كعرق الذهب.
نعم الشهادة بمعانيها السامية هي في قاموس السوريين الوطني أكبر من الكلمات، وأكثر دلالة من كل البلاغات، وقد يكون من الصعب على اللغات استيعاب معانيها وأبعادها وجلال عظمتها، كونها رمز النقاء والارتقاء إلى عوالم الخلود الأبدي الذي يحتضن تضحيات رجال الوعد والعهد الصادق التي قدمت على مذبح الوطن وفي مواجهة العصابات الإرهابية لنعيش وليبقى بلدنا شامخاً عزيزاً كريماً.
وبالعودة إلى أرض الواقع وبعيداً عن المثالية الأفلاطونية، وبحضور العديد من الأفكار المتدحرجة بين هموم ذوي الشهداء، نسأل: هل تكفي كلمات العزاء لتضميد جراح عوائل الشهداء ورعاية أبنائهم في هذا الزمن الصعب؟، وهل تستطيع الوعود الضامنة لمستقبلهم ولمصادر رزقهم تلبية متطلباتهم وزرع الأمل في دروب حياتهم الجديدة؟، وهل استطاعت الخطوات والقرارات التي اتُخذت إلى الآن في هذا الملف معالجة واقعه المأساوي؟.
نعتقد أن الأمر ليس بهذه السهولة، فملف الشهداء الحاضر الآن على ساحة الواقع يمثّل تحدياً كبيراً في المرحلة المقبلة.. وطبعاً لا يستطيع أحد إنكار المكانة التي حظيت بها قضية الشهادة والشهداء، فقد كانت ضمن الأولويات الأولى للقائد الخالد حافظ الأسد والسيد الرئيس بشار الأسد، حرصاً على إبقائها قيمة إنسانية مشرفة للأجيال ولأبناء الشهداء أنفسهم الذين عاشوا بكرامة واهتمام كبير بمستقبلهم، حيث أسّست لهم عام (1975) مدارس ومؤسسات أبناء الشهداء التي تُعنى بهم من جميع الجوانب وخاصة التعليمية والدراسية، بدءاً من المرحلة الابتدائية وانتهاء بالدراسة الجامعية، الأمر الذي جسّد الشهادة كقيمة عليا في المجتمع وتكريم الذين ضحوا بأنفسهم دفاعاً عن الوطن.
فهل ستبقى مطالب عائلات الشهداء معلّقة دون أية معالجات أو حلول حقيقية، أم ستكون هناك مرحلة جديدة من العمل الجاد لإعادة الأمان بمختلف معانيه إلى حياة عائلاتهم.
بشير فرزان