ثقافة

أيـــــار..وعرس المجد

وعادت الساعة لتدق لحظة الحق والحقيقة، لحظة الشهادة والخلود.. ملحمة السادس من أيار، ملحمة النصر، النصر الذي كتب بدمائهم الطاهرة الزكية.. عبق رائحتها على هامات المجد والكبرياء.. شهداء المبدأ والحق موشوم على جبين الشمس يتجدد كل عام وكل لحظة، وكل إطلالة صباح.. قوافل من الشهداء وأكاليل غار ترفع، وأوسمة تعلق وزغاريد النصر تسبق نعوشهم، زغاريد الفرح بعرس الشهادة.
من أين نبدأ عندما نتكلم عن الشهادة والشهداء، فالأحرف تتلعثم وتركع وترتل همسات الصمت أمام عظمة هذه الكلمة “الشهادة” أن تنثر روحك ودمك على أرض الوطن، لتعزف سيمفونية الخلود..أوتارها من نبض دمائكم شهداء الوطن.
أي لغة في العالم تعبر عن عظمة عطائكم وحجم تضحياتكم وآفاق أمانيكم.. نقبّل أرواحكم يا من وهبتمونا الحياة.. رياحين الحق والحقيقة، هذا الوطن الكبير على امتداد مساحته أنتم سوره وتاجه ونبضه وتراتيل بوحه، كان ولا يزال حلم الأعداء.. “عين جالوت، حطين والقادسية واليرموك وتشرين”، هي صفحات مشرقة من تاريخ هذه الأمة العظيمة عنوانها الكبرياء والعنفوان والمجد.. شهد شهر أيار على مر التاريخ أحداثاً عظاماً حددت مسارات أمة وخيارات شعب ورسمته أيقونة حرية وتضحية وعطاء ومستقبل وطن، ووسعت آفاقه الرحبة، لكن ما كتبه هذا الشهر من معانٍ سامية، يميزه عن الأشهر الأخرى، وخصوصاً لدى الشعب العربي السوري، الذي يُذَّكره أيار بتضحية الذين ناضلوا في سبيل حرية بلدهم واستقلاله، فدفعوا حياتهم ثمناً غالياً للوطن الأغلى، وأغدقوا على مذبح التضحية من طهر  أرواحهم وعبق دمائهم بلا حدود.
توقفت دقات الساعة لحظة المغيب، وارتقت أرواحهم الطاهرة إلى سماء المجد، لكنها لحظة ولادة أسطورة الشهادة وهي تكتب أحرفها من دم فاح شذاه على أعواد المشانق نور ونار، ذنبهم أنهم يريدون الحرية والكرامة لأرضهم والعزة والإباء لوطنهم.
في هذا اليوم، السادس من أيار من كل عام نحتفل بعيد من بذلوا أرواحهم فداءً لتراب الوطن وهي مناسبة وطنية يُحتفل بها في كل من سورية ولبنان، ذكرى إعدام السلطات العثمانية لمجموعة من الأبطال في البلدين، هؤلاء الأبطال الذين سيّجوا الوطن بدمائهم الطاهرة وأرادوا أن يكونوا جسراً تعبر عليه الأجيال إلى المستقبل بكرامة وعزة وشموخ. هؤلاء هم شعلة النور للأجيال القادمة.. وعيد  الشهداء اليوم استمد بريقه من دماء الشهداء الزكية التي روت دماء الوطن لتطهره من رجس المحتل، ولسورية حكايات طويلة لا تنتهي مع الشهادة والشهداء، حكايات وأساطير عظيمة تكتب بمداد الدم ودموع الأمهات الثكلى، وزغرودة أم الشهيد.. أم الوطن.
هؤلاء الشهداء عبر التاريخ نثروا أرواحهم ودماءهم على أرض الوطن أيقونات نور، ونحن أحفاد هؤلاء العظام الذين وقفوا سداً منيعا أمام إنهاء وجودنا وطمس هويتنا القومية.. أمام التقسيم والتفرقة، اليوم نستمد روحنا ووجودنا من دمائهم الزكية الطاهرة ونقف بعظمة وكبرياء أمام تضحياتهم.. هذا هو الشهيد.. منارة الكون وصوت الحق وعبق الطهر، ففي محراب الشهادة تحبس الأنفاس وتتلعثم الكلمات وتتوقف الأحرف عن الخفقان ويسدل القلم أوتاره إجلالا واحتراما لشهداء الوطن، إن أبناء سورية لم ولن يبخلوا يوماً بدمائهم من أجل أن يبقى تراب هذا الوطن طاهر وأن نبقى أمة عربية مستقلة ونحن مستعدون لتقديم قوافل من الشهداء لأنه الطريق الوحيد إلى النصر.
إلهام سلطان