ثقافة

التشكيليون الشباب.. خطوات واثقة تستحق الاهتمام

يتفاءل المتابع لأنشطة الفن التشكيلي في سورية بغنى روافده، وبحيوية الأداء، وإصرار العديد من التجمعات الفنية على إعطاء الفن التشكيلي مكانته اللائقة بين الفنون، فمن خلال العديد من الملتقيات التشكيلية، والمعارض التي تعنى بالفنانين الشباب، توضح بشكل جلي أن الكثير من الإمكانات المتوفرة عند الشباب لا تحتاج إلا لفرصة عرض لائقة، أو بيئة مفتوحة لهذه التجارب، بحيث تضمن تلاقيها وتحاورها مع بعضها البعض، وذلك سعياً لمد هذه الكفاءات بالطاقة الإيجابية التي تحتاج، ففي ملتقى الجلاء الذي أقامته وزارة الثقافة تأكد حضور مختلف ومهم لمجموعة فنانين شباب قدموا خلاله صورة بليغة عن المقدرة التي يتمتعون بها في مجالات التشكيل، وشهدنا إيقاعات تتناوب بين الرسم للمنظر الطبيعي، والمشهد العام للأماكن التي تحمل طابعاً رمزياً، وتاريخياً، وتلوينات ذهبت إلى التجريد، والمغامرة في عوالم البحث التشكيلي، كما حضرت تجربة مميزة لإنتاج اللوحة التشكيلية بمنطق رسوم الطفل، أو رسوم الكتاب، قدمتها الفنانة ضحى الخطيب التي عنت بالحكاية التشكيلية أولاً، وقدمت جملتها البصرية المحمولة على البساطة الأخاذة، والقريبة من رسوم الطفل في لوحة تشغلها العاطفة، والحواس المتدفقة فرحاً، وحيوية،  فالخطوط الصريحة، والألوان المبهجة ألّفت سرداً بصرياً مبسطاً للفكرة التي تشغل الفنانة، فالمستوى العالي للمشهد تزينه أزهار رسمت بقصدية البهجة العامرة التي تملأ الفضاء، بينما نلحظ فعل “الكولاج” في الكثير من المساحات المتباينة بغية إكسائها بتأثيرات مختلفة عن الفعل اليدوي للفرشاة واللون، ما جعل منها حساً زخرفياً، قصدياً، ومن دون بذخ، أو إرهاق للتأليف البصري، ما جعل من البساطة الولودة أن تنتعش على سطح التأليف الملوّن.
ومن المهم بالتعريف أن نذكر أن الفنانة الشابة ضحى الخطيب من مواليد 1982، خريجة مركز أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية بدمشق، تعمل في مجال رسوم الأطفال، وقد نفذت العديد من رسومات النهج التدريسي للأطفال، وقد فازت بالعديد من جوائز المسابقات، ولها مساهمات واضحة في الرسم من خلال مجلة أسامة، كما شاركت في العديد من ورشات العمل الفنية، عضو لجنة تحكيم لوحات أطفال لمعرض نساء سوريات صانعات السلام.
ومن التجارب الجديرة بالتنويه، ورعاية موهبتها، تجربة الفنانة الشابة صبا رزوق، خريجة كلية الفنون الجميلة – قسم التصوير، وهي من مواليد 1991، والتي تعتني عناية كبيرة بالتقنية، ومحاولتها طرق أبواب المغامرة الفنية الممتعة، واكتشاف ملونات مشتقة ما بين اللون البني، والبرتقالي من خلال تدرجات البعيد، والقريب في المشهد المجسد، وصولاً إلى الدهشة الخفية التي تسكن براعة الظل والنور على الأشياء، والأجساد المرسومة.
ولوحة الفنانة رزوق غير منقطعة عن التجارب التشكيلية السورية المعروفة بعنايتها بالمواضيع التي تطرقها، أو بالمعالجة التقنية، وإغناء السطح بملمس خاص من العجينة اللونية المشغولة تراكمياً باللون فوق لون آخر، وجعله مادة فنية بحد ذاته أنضجتها بالحوار البصري مع مساحات أخرى مجاورة في الدرجة، والالفة، والإيقاع.
هذه الفنانة الشغوفة بكليّات العمل التصويري، لوناً، وظلاً، ونوراً، وتعبيراً داخلياً حراً وجياشاً، لا تغرق في تفاصيل صغيرة على حساب التكوين المريح، والمتوازن، ولا تشغلها الخطوط القصدية الناعمة، بقدر ما تشغلها حدود المساحة الملونة، وما تفصله بذاتها عن المساحة الأخرى، ومن الجمال الذي تذهب إليه جعل العفوية حالة حاضرة حين التنفيذ، فتتقصد تداخلاً لونياًً مع آخر بغية الحصول على العفوية، والعاطفة الفياضة في العمل.
وتذكرنا هذه الفنانة الشابة بتجربة الفنان السوري ألفريد حتمل الذي رحل نهاية القرن الماضي، حين استفسرت منها عنه، فأجابت بأنها لا تعرفه، واليوم، وبعد أكثر من عشرين عاماً تجد تجربة الفنان حتمل متلاقية مع تجربة هذه الفنانة الشابة، وكأن للجمال روحاً خالصة لا تعرف من الزمن إلا أنه مبدع وإنساني.
إن مثل هذه التجارب التشكيلية تستحق الاهتمام، والعناية من خلال تشجيعها، وإقامة المزيد من الملتقيات الفنية التشكيلية الخاصة بالشباب، ومنح المميزين منهم فرصة تسويق أعمالهم، واقتناء البعض منها، وفي ظل الأزمة التي يعيشها الوطن، أكد هؤلاء الفنانون على أنهم نبض جميل يعيشون في هذا البلد، ويعتزون بانتمائهم له، ويحرصون على جعله صامداًً جميلاًً.
أكسم طلاع