ثقافة

شارلي شابلن: بساطة العبقرية

شارلي شابلن أسطورة السينما العالمية، نجح في رسم البسمة على الشفاه وحفر اسمه بأحرف من ذهب في قلوب الجماهير حول العالم، وهو أول فنان يطلق عليه لقب “نجم” وتوضع صورته على أفيشات الأفلام لجذب الجمهور، وقد بات أيقونة مميزة في عصر السينما الصامتة. كانت حياته مليئة بالكثير من الأسرار، ولد عام 1886 وعاش طفولة يغلفها الفقر المدقع في شوارع فيكتوريا بلندن، واتجه إلى الموسيقى ثم التمثيل وتتلمذ على يد فريد كارنو صاحب مدرسة “البانتوميم” الانكليزية، وجسّد شخصية الصعلوك الفقير المرتدي قبعة دائماً، وهي عبارة عن شخصية مشرد بطباع وكرامة رجل نبيل، يرتدي معطفاً ضيقاً وبنطالاً ممزقاً وفي وجهه شارب وهو علامته المميزة، كما أنها الشخصية الأقرب للواقع المأساوي الذي كان يعاني منه شابلن.
شابلن اليساري النزعة عاش في كنف الرأسمالية واستلهم من الفقر والطفولة المنكوبة التي كانت تقبع في شوارع لندن الخلفية بمناظر مؤلمة لأفلامه ومسرحياته، بدأ حياته طفلاً بائساً لأب (سكيّر) يعمل في المسرح ويستولي على ما تكسبه زوجته التي تشاركه هذا العمل لينفقه على الخمر، في وقت تحاول فيه الأم المحافظة على تماسك الأسرة، ويتسبب مرضها المفاجئ في وقوف شابلن لأول مرة على خشبة المسرح عندما كان في السابعة من عمره، حيث فقدت والدته القدرة على النطق فخرج شابلن الطفل من الكواليس في محاولة لإنقاذ الموقف بتأدية بعض المشاهد الارتجالية، ليبعد نظر الجمهور عن أمه، وحازت فقرته رضا الجمهور ومدير الفرقة معاً. تطور الأمر بعد ذلك إلى إسناد أدوار صغيرة له في عدة مسرحيات إلى أن أُسند إليه دور رئيسي على يد المخرج وليام جيبلن في مسرحية كوميدية بعنوان “كلاريس”.
سافر إلى أمريكا مع فرقة كارنو اللندنية ليقدّم عروضاً هناك، وفي عام 1913 تكررت الرحلة مرة أخرى إلى أمريكا في هذه المرة عُرض عليه عقد للعمل مع استوديو (كيستون) وبهذا رسّخ شابلن قدمه في عالم السينما، وبدأت أفلامه في الظهور تباعاً بعدما انتقل إلى شركة (ماك سينت) فظهرت أفلام (سباق سيارات الأطفال) و(الملاكم) وفي عام 1915 جاء فيلمه العبقري (المتشرد) الذي أبدع فيه شخصية (شالرو) المتشرد النبيل صاحب البدلة المميزة والقبعة الشهيرة التي تلازم شابلن والتي ما تزال في ذاكرة الجمهور حتى الآن، وساهمت تلك الشخصية في ترسيخ قدمه في السينما لينال لقب النجم.  كان شابلن يبتعد قدر الإمكان عن الكوميديا التقليدية وحركة الجسم وعلاقتها بالآلة. وكان يميل أكثر إلى النقد الاجتماعي كمعالجة مشكلة الإدمان والصراع الاجتماعي بين الغني والفقير، ومشاكل المجتمع الصناعي والسياسة. أحبت الطبقات العاملة واليسارية أفلام شابلن الذي كان يمثّل روح الثورة وعدم الخضوع، كما كرهته الطبقات البرجوازية التي كان يسخر منها بشدة في أفلامه. وفي عام 1931 وبعد أن كان الصوت قد دخل السينما قدم شابلن أحد أهم وأشهر أفلامه الصامتة “أضواء المدينة” يعود في هذا الفيلم للمسة الميلودراما، والنقد الاجتماعي اللاذع، وبعد خمسة أعوام قدّم تحفة جديدة هي “العصور الحديثة” التي ينتقد فيها وبشدة واقع الطبقة العاملة والمجتمع الصناعي من خلال تجسيد شخصية عامل في أحد المصانع على خط الإنتاج، كما قدّم أفلاماً تنتقد الطبقات البرجوازية المتسلطة، وقدم أيضا أفلاماً عن الصعاليك وحياة التشرد، وبلغت قوة تأثيره أن صاحبت أفلامه بعض المظاهرات التي نظمها العمال والفقراء، وتطور به الأمر لاتهامه بالشيوعية خاصة بعد عرض فيلمه المثير للجدل (مسيو فيردو)عام 1947 المأخوذ عن مسرحية “عدو الشعب” للكاتب  النرويجي هنريك ابسن، وقامت وكالة المخابرات الأمريكية بوضعه تحت المراقبة وأجرت معه تحقيقاً مطولاً انتهى بطرده من أمريكا.  وفي عام 1940 قدّم شابلن أبرز أعماله السياسية “الديكتاتور” الذي جسّد فيه شخصية هتلر بطريقة كوميدية في وقت لم تكن أمريكا قد دخلت الحرب بعد، واعتبره كثيرون مجنوناً، ولكن رؤيته أثبتت صدقها بأن عقلية النازية والفاشية لايمكن تركها دون أن تحاول التحكم بالعالم كله.
قدّم شابلن العديد من الأفلام المهمة بلغت 82 فيلماً. وكان آخر أفلامه (كونتيسة هونغ كونغ). وكان في دواخل نفسه يعلم أن ذلك الصعلوك الصغير سوف يتمكن أخيراً من قلوب الناس الذين سيفدون لمشاهدة هذه الروح الفكاهية وتلك التعابير الإنسانية التي تشكلت منذ طفولته المضطربة. لقد حقق شابلن ما كان يصبو إليه من شهرة، فقد حققت أفلامه ما لم تحققه أية أفلام أخرى حتى كانت صالات العرض تغص بالمتفرجين لرؤية هذه الظاهرة المملوءة ضحكاً والممزوجة حزناً. ودّع شابلن الفيلسوف الصعلوك الحياة عن عمر يناهز الثامنة والثمانين بعد أن أثرى السينما العالمية بالعديد من الأفلام التي أسعدت الملايين حول العالم.

إبراهيم أحمد