اقتصاد

نقطة ساخنة حصن هرميّ منيع..!؟

المتتبّع لحيثيات ما يجري في أروقة وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية، يدرك ويلمس في آن معاً، وجود نرجسية غير مفهومة لدى رأس الهرم حيناً، أو حصن منيع حوله حيناً آخر، ما يعيق وصول الأفكار البنّاءة من كوادر النسق الثاني -وتارة الثالث- إليه ووضعه في صورة ما يحدث في مؤسسته، والشواهد على ذلك كثيرة وإليكم ما لمسنا.
قدّم أحد المديرين المركزيين لوزير إحدى وزاراتنا ذات الصلة الوطيدة بالشأن الاقتصادي في أول اجتماع له مع كادر الوزارة تقريراً مفصّلاً حول التجاوزات والمخالفات التي أثقلت كاهل الوزارة عبر سنوات خلت، ووعده الوزير بجلسة خاصة لمناقشة الوضع بالتفصيل ووضع رؤية مستقبلية لإصلاح أحوال الوزارة، وبعد مرور فترة من الزمن على وعد الوزير قدّم المدير طلباً للمقابلة ظنّاً منه أن سيادته يمتحن مدى جديّة طرحه، لكنه أصيب بخيبة أمل بعدم رجع صدى ما تقدّم به، فاعتبر أن التقصير ناجم عن مدير مكتبه، فكرّر المحاولة أكثر من مرة ولكن دون جدوى تذكر!.
مما سبق يتبيّن لنا وجود فجوة كبيرة تفصل بين رؤسائنا ومرؤوسينا في معظم جهاتنا التنفيذية، إذ إن الطرف الأول في معادلة سيرورة عمل مؤسساتنا الحكومية يقبع في عرشه العاجي دون تواصل –إلا بالحدود الدنيا- مع بعض المرؤوسين وعبر قنوات ضيقة كـ(مدير مكتب – معاون) تكون بمنزلة فلتر يفرز ما يُسمح له بالتواصل مع رأس الهرم عما لا يُسمح له وفق معايير تحكمها عادة المزاجية والمصالح الشخصية، وتكون النتيجة بالتالي وأد الأفكار والمبادرات التي من شأنها خدمة العمل والارتقاء به بما يخدم المصلحة العامة!.
كأن المسؤول في بلدنا لا يثق إلا بما يملك من أفكار ومبادرات وما يُطرح عليه من غيره يندرج تحت الحماس وحبّ الظهور!، علماً أنه من يسبر أغوار مؤسساتنا وجهاتنا العامة يفاجأ بزخم الأفكار الجديدة لدى موظفي معظم مفاصلها، ولدى سؤالهم عن عدم تطبيقها أو الاستئناس بها على أقل تقدير، تكون الأجوبة التي اعتدنا سماعها: صعوبة مقابلة الوزير أو المدير العام لأن مدير مكتبه يشكل ترساً حصيناً بيننا وبينه، أو لأن ما قُدّم من أفكار لم يرُق لمعاونه الذي وضع مسوّدة المشروع في غياهب أدراجه، أو أن الفكرة وصلت إلى رأس الهرم فحوّلها إلى مدير إحدى الدوائر غير المختصة للنظر وإبداء الرأي أو المعالجة، ويكون الرد بعدم الموافقة أو التريّث حتى إشعار آخر…الخ.
مدير آخر قدّم مشروعاً لتطوير مديريته وفتح آفاق جديدة تمكّنها من استقطاب تعاون المنظمات الدولية والعربية، رفضه وزيره جملةً وتفصيلاً، ولدى إصراره على مناقشة الوزير بمدى فاعليته في تطبيقه وافق الوزير على تنفيذ ما نسبته 50% منه، وكانت النتيجة صحة رؤية المدير لأنه يعرف تماماً حيثيات عمله الفنية والإدارية وما تتطلبه من أدوات ومبادرات للنهوض به إلى المراتب المتقدمة لتحقيق الأهداف المرجوة.
لا شك أن لرأس الهرم رؤية خاصة بتطوير العمل، لكن هذا لا يمنع –بل يحتم في كثير من الأحيان- أخذ رأي مفاصل العمل المختصة وخاصة فيما يخص الأمور الفنية، فذلك يدعم الرؤية الاستراتيجية ويضعها في مسارها الصحيح، ناهيكم عن أن التواصل بين الهرم والقاعدة يولّد جواً مميزاً لبيئة العمل لا يخلو من الألفة والتفاهم وما ينجم عنهما من مبادرات ذاتية وإبداعات جماعية تذلل العقبات وتخدم المصلحة العامة وتحدّ من التجاوزات والمخالفات.

حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com