ثقافة

الوجع في أبهى صوره في “مهب الأفق” لآمال شلهوب

“في مهب الأفق” المجموعة الحديثة الصادرة عن دار بعل للقاصة آمال شلهوب التي تصف فيها واقع اليوم وتتمحور حوله بما يحمله ويلملمه من وجع، وتعود لتقول إن هناك أملاً بحياة أفضل بعد أن تعكس صورة الواقع المعاش وتتخطاها بمرونة.
تشكل مجموعة “في مهب الأفق” انعطافاً في أسلوب الكاتبة، فالجمل أقل وأكثر تكثيفاً في توصيف الحدث، أي أن اللغة أكثر تكثيفاً لتعميق الدلالات، فيما يغيب المكان لعمومية الأحداث، كذلك تعتبر اللغة المتداولة أكثر تعبيراً عن أفكار المجتمع وما يشيع فيه، ما جعلها تأخذ النصيب الأوفر من القاصة لإدراكها العميق والصادق عما تحتويه هذه الكلمات ضمن سياقات السائد المتداول والمعتاد، وجميعها مجسدة في صورة للوجع المتنامي، ما يعني أن الكاتبة أجادت استخدام اللغة بمستوى مناسب مع وتيرة العاطفة وخصوصية النص، وكانت التعابير والتشابيه في مجملها متناسقة لكونها تنبع من مكنونات الشخصيات بشكل عام.
كذلك العناوين فهي مرتبطة غالباً بمفاجأة أو مفارقة في ختام القصة كـ “كرة الشمس” إذ تقول في الختام (نهض أبو إبراهيم فاتحاً ذراعيه للطائر المرفرف فوق العلم السوري الذي لف جثمان الشهيد إبراهيم) بعد أن أعطت القصة دفقة تفاؤل وأمل (دهش الرجل لسلوك الطائر الصغير وهو يلتصق به غير آبه بضخامة جسده يتنقل معه يحتمي به وكأنه منهزم من رعب ما في وطنه) هذا الطائر هو ذاته الذي سيأتي لاحقاً مع سرب طيور فوق جثمان الشهيد.
أما من حيث الشخصيات، فهناك وجع متزاحم يفرض نفسه على السطور حتى في الجمل الأكثر شاعرية وهدوءاً، كما في قصتها “اجتياز الركون” (كفنت جسدها بالشفق وراحت ترسم خلف داروين لوحة مزركشة غير منتهية تحيك أطرافها بخطوط وردية، وفي الزوايا رشقات دوائر حمراء تناثرت منها حبيبات متشابكة) وهنا تكمن المفارقة ليتبين أن هذا الوصف لاحقاً ماكان إلا لأم الشهيد! ومع تواتر ما تناولته الكاتبة من أحداث كان لابد من الإشارة إلى النزوح المؤقت وعذاباته، ومايحفره في الذاكرة في حين تمتلئ بعض البطون وأخرى خاوية تنقصها كسرة خبز.
في قصتها “ضجيج السكينة” هناك بوح سرمدي يحمل صورة التمرد الذي لبس المرأة ليعيدها إلى حياتها فلا تستطيع حتى أن تتنفس إلا في مملكتها مع زوجها وابنها.
أما في قصتها “عدت أدراجي” وهي القصة التي تنطق بلسان رجل فهناك بعض الإسهاب ما أثقل النص وجعل فيه عدة ذرا يمكن التوقف عندها إلا أن الكاتبة تعاود الكتابة بفيض البوح الذي تملكها، وهذا ما أعتقد أنه تسبب في ترهل النص للحشو الزائد فيه.
كما في المجموعة لمسة من الكوميديا السوداء، إذ يهطل المطر بأسى بعد انتظار طويل على الخراب والدمار في أمكنة لم يعد يعيش فيها سوى الأشباح وأعمدة الدخان، كما تسيطر الحالة بين العالمين –الموت والحياة- على قصص المجموعة الـ 17 فلا فرح منتظراً، وحتى الأجساد باتت لوحة لمقاطع من أسماك خرجت من المياه للتو، هذه التعابير المنصهرة في دلالات الموت، كان لابد لها من لمسة تفاؤل تعيد المياه لمجاريها صافية وإن لم يكن بالإمكان شربها مجدداً.
وبالعودة لشخصيات مجموعة “في مهب الأفق” فهي أيضاً متخمة بالعذابات لايكاد يلوح لها الأمل من بعيد حتى ينطفئ كأنه ماكان. وجميعها من السهل قراءتها لكن من الصعب الاستماع إليها، فهي من النوع المقروء لا المسموع، وبعضها يحتاج أكثر من قراءة للتمعن فيما تهدف إليه الكاتبة بسبب إغراقها في الأبعاد الفلسفية التي قد تضيّع المستمع، فيما تحمل غالبية القصص صفة (غير الضيقة واللا محدودة)، إنما هي ذات بعد إنساني من الواقع السوري المعاش يومياً، كما تعتمد الكاتبة في كثير من قصصها (بين ملح الزجاج، حلم جدتي) أسلوب المشاهد المكثفة، إذ يمكن للقصة أن تكون لوحة صامتة كما في (امتداد الجلجلة) لكن لم أجد الفائدة المرجوة من اللجوء للأساطير مثل انكيدو وداروين، فيما يبدو اللجوء إلى الأساطير ضرباً من تجربة الكاتب الخاصة أو هي السمة التي تفرض نفسها على النصوص لإحساس الكاتب بضرورة وجود معجزة تنتشل كل هذا الوجع المرهون بالحيوات.
ديمه داوودي