ثقافة

سعد الله ونوس: ثلاثية المسرح والكتابة والحياة..

سعد الله ونوس واحد من أبرز العلامات الثقافية السورية في القرن العشرين، ولعل الدلالة الحاسمة في استعادته من رحلته في غيابه هي استعادة لأسئلة المسرح الأساسية، أسئلة التأسيس والبدايات والهواجس والكوامن التي يغدو نسيجها خميرة أسئلة الحياة ذاتها، ونوس من تساءل يوماً هل يمكن أن يستغني الناس في القرن العشرين عن المسرح؟
وعلى الأرجح كان سؤاله يستبطن جواباً معرفياً مخترقاً للأزمنة والنصوص الإبداعية، والتي كان هو بحق إحدى علاماتها الباذخة، وثمة دلالة إضافية في هذا السياق نجدها مستلهمة من سنواته الأخيرة التي غالباً ما وصفت بأنها سنوات المقاومة والخصب، تلك التي ارتبطت بالفن وبالإصرار على القول الإبداعي، وإنجاز معظم المشاريع ومنها “منمنمات تاريخية 1994، طقوس الإشارات والتحولات، أحلام شقية، يوم من زماننا 1995، ملحمة  السراب 1996، الأيام المخمورة 1997، ميلاد أضيق من الحب” وهو من رأى ضرورة الضغط لأن يُعاد للمسرح اعتباره ليعود له دوره في المجتمع، ويستنهض معه حراكاً ثقافياً يغذي أسئلة الثقافة ذاتها، تلك التي تنحاز للإنسان وتنحاز لقضاياه وإنسانيته في المقام الأول.
سعد الله ونوس المختلف في إبداعه وفي رحلته في أزمنتها وأمكنتها، لاسيما مقاومته لمرضه كتابةً وإبداعاً وتألقاً، كان مأثرة بحق، يوم راح يجسد تجليها حينما ألقى كلمة المسرح العالمي، وقال كلمته الشهيرة “نحن محكومون بالأمل” ومن موقعه بالذات ككاتب مسرحي أدرك ماهية العرض المسرحي وأدرك خفايا النص المسرحي ليزاوج بينهما في رؤية استشرافية راحت أعماله تجسد معالم تلك الرؤية، على النحو الذي جعل من أعماله، منذ أن كتب حكايا جوقة التماثيل –الكتاب الذي جمع به مسرحياته عام 1965، ومن ثم ميدوزا تحدق في الحياة وفصد الدم، وجثة على الرصيف، ومأساة باع الدبس الفقير، وحفلة سمر من أجل 5 حزيران، وسواها،  أعمالاً مثلت أسئلته الإشكالية في علاقة المسرح بالتراث والتاريخ والأساطير والواقع والذاكرة، من أجل أن ينتج السياق والمعنى لأزمة الإنسان العربي المعاصر، وكيف يمكن للثقافة أن تكون فاعلة وهي تنهض بالقضايا الذاتية والإنسانية والوطنية، وبذلك يكون سعد الله ونوس في كل سيروراته الإبداعية المسرحية نصاً ورؤية وخطاباً قد أضاف إلى المسرح والحياة والكتابة ما يجعل منهما الحقيقة الإبداعية القائمة بذاتها وهي التي تجول من مضمرات تاريخنا وحاضرنا، لا لتقول الكلمة الأخيرة بل لتؤسس بياناً مسرحياً عابراً للغات والأزمنة والأمكنة، فونوس العالمي كان خلاصة ما أنتجه العقل المسرحي ليهبنا منحة الشغف بالمسرح ومعرفة الأدوار التي يؤديها المسرح في حيواتنا، ويمكن لمن اختلف مع نص هنا أو نص هناك ألا يبقى أسير شرط التاريخ بل شرط النص ومنه الفن الذي يرتقي بأسئلتنا جميعاً لندرك أن ونوس الشاهد على  التحولات الكبرى، والمدون ليوميات الألم الوجودي والمعاير الحصيف لوقائع دالة كيف يستبطنها ذلك المبدع وينتجها معرفة ثرية الدلالة في اختلافها وليس في تماثلها وفي ذلك كبرى دروسه التي لا تنضب ولا تنطوي قيمها، فهو المقاوم والعارف والمهجوس بغدٍ عربي أكثر إشراقاً وبإنسانٍ قادر على استعادة شرطه الإنساني وسط زحمة التناقضات. هو إذن صوت سوري شهد للثقافة وشهدت له وهو يعيد تأصيل الوعي بالتاريخ والمستقبل.
أحمد علي هلال