ثقافة

الرواية التلفزيونية: ترف أم ضرورة!

الرواية التلفزيونية ليست مصطلحاً جديداً، وليس جنساً إبداعياً مبتكراً بل هي مقاربة تذهب إلى انفتاح الجنس الروائي على الدراما بحدود معينة، ليس القصد منها أن تأتي الدراما مطابقة لما يختار مثلاً من أعمال روائية، وهذا ليس معياراً نقدياً.. إذ أنه من الواضح هنا أن الحديث عن الرواية التلفزيونية سيشير إلى العمل الدرامي بذاته من حيث قابليته أن يُروى وأن يستفيد من ثيمات الرواية، بحدود انفتاح المتخيل الدرامي نفسه بوساطة اللغة البصرية، وتكامل مفرداتها وفي ذلك الاتجاه ذهبت الدراما لتصطفي من روايات بعينها عالماً آخر موازٍ وهو بمقدار ما يأتلف معه فإنه يحيل إلى اختلاف نتيجة الرؤية الإخراجية الإبداعية والتي من شأنها أن تفتح دلالات العمل على المتخيل الدرامي وعلى قيم فنية أصبحت اليوم من الضرورة بمكان أن تستحضر لذائقة المتلقي فضلاً عن متعته بتأثيث الفضاء البصري بالمعنى الجمالي وتالياً بالأبعاد الفكرية.
ما يعني أن ليس ثمة انفصال ما بين الرواية والدراما بل ثمة حوافز إبداعية تجمعهما وفي صيغ مشتهاة ذلك أن الدراما هنا مازالت تتيح المجال للعمل الروائي في صيغته البصرية لئن يكون مُعاشاً ومنتجاً. ألم يقل الأديب حنا مينه للسيناريست المبدع حسن م يوسف في إثر رائعة مينه «نهاية رجل شجاع» إنني رأيت فيها شيئاً جديداً وجميلاً لم أكن أعرفه.
وهكذا فإن جملة الروايات التي استدعتها الدراما مع تباين الرؤى الإخراجية كانت في ذات المجال الإبداعي الأكثر انفتاحاً على متخيل المتلقي وذائقته وما يمكن أن يضيف إليه من متعٍ تغذي انتباهه لقيمة تلك الأعمال، وضرورتها لكن ذلك كله ما زال ينطوي على التباسٍ بمعنى من المعاني فمثلاً عندما كتب السيناريست العربي الراحل أسامة أنور عكاشة، بعض الأعمال الروائية قبل أن يصبح كاتباً للسيناريو بقيت تلك الأعمال حبيسة الأدراج، لكنه عندما توجه للتلفزيون نال حظاً من الشهرة والانتباه، لأن القيمة المضافة هنا هي الصورة وما أنجزته من فعاليات التأثير والافتتان، وبطبيعة الحال لا نقصد هنا أن أي رواية هي صالحة بالضرورة لئن تكون عملاً درامياً، إلا بما يخدم الدراما ذاتها، لئن تكون طبيعة ثانية للعمل، أما التأويل الروائي للدراما الذي يعتمد النص الدرامي دون إحالته إلى رواية بعينها، فهو مجاز الصورة والحكاية وبنية العمل، وكثافة التشويق، وإن جاز التعبير هنا يجري الحديث عن مقومات الرواية ليس بالمعنى الاصطلاحي الدقيق، لتنتهي حدود الترف ونذهب إلى معايرة الضرورة التي تحكم ذائقتنا، ومنها أن المجال الدرامي قد اتسع لأعمال مازالت حاضرة في البال، وهي على سبيل المثال “هجرة القلوب إلى القلوب” لعبد النبي حجازي، “الله والفقر” لصدقي إسماعيل، ويمكن بذات السياق الحديث عن الكثير من الأعمال التي جاءت في مراحل تاريخية من عمر الدراما السورية لتؤسس ذلك الفهم للدراما بمعنى وظيفتها الاجتماعية والفكرية في آن معاً، فضلاً عن الوظيفة الجمالية التي ما زلنا نهجس بها، وعلى مقلب آخر أصبحت الأعمال المعاصرة والتي تتغذى من الرواية مباشرة دون أن تكون تأليفاً روائياً مفترضاً، هي ما تدعونا للقول بأن الرواية التلفزيونية القادمة، ليست بديلاً عن الرواية كما نعرفها، وإنما هي في المجال الإبداعي التشاركي الحامل لقيمة العمل الروائي، وبذات الوقت الأكثر انفتاحاً بالمعنى الدرامي، لقيم فنية أصبحت الآن منظومة متكاملة تستدرج المتلقي إلى حقل دلالتها، وتشركه في تأويلها، فهو بطلها المنتظر حينما يعبر بين أزمنتها المختلفة وهواجسها المشتركة، ليقف على تلك التحديات الجميلة والمثيرة في آن معاً للمجال البصري، الأكثر معاصرة واستدعاءً لأسئلة واقعنا المتغير وأفقنا المفتوح.
فما بين طموح الرواية لئن تصبح عملاً تلفازياً ناجزاً، وما بين النصّ الدرامي وتأويله الروائي، ثمة الكثير من الأسئلة التي ستطاول البنية الفنية، لجهة كونها حاملة للإبداع، ناهيك عن مفهوم الزمن، كما الشخصيات التي قد تضيف بخبرتها إلى شخصيات كانت على الورق وفي أفق متخيل كاتبها، وكل ذلك ربما يُحيلنا إلى “النمذجة” الدرامية، شرط ألا تأتي تسذيجاً للشخصيات، أو تنميطاً لها، وعليه ستصبح “الرواية التلفزيونية” في هذا المقام طموحاً مشروعاً تجسدِ هوّة مفترضة، لطالما أننا نتوسّل حواراً إبداعياً عبر أجناس ليس حاملها الترف فحسب، وهي في أفق السيرورة الفنية والجمالية على الأقل..
أحمد علي هلال