اقتصاد

نقطة ساخنة توجّه جديد

يسجّل للمؤسسات التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك “نسبياً” تدخلها الإيجابي بين الحين والآخر في محاولة منها لكسر حدّة الأسعار وضبط حالة الارتياب التي تصيب أسواقنا لتعيد إليها توازنها السّوي.
لكن هذه المحاولات لا تحقق دائماً مبتغاها المطلوب، بل تبقى الأسعار متمرّدة بعد هذا التدخل على كل قوانين السوق لفترة ليست بالقصيرة، وكأن وراءها قوى خفية تتحكم بها، أو أنها تخضع لمزاجية تجار أعمى الطمع أبصارهم وبصيرتهم، لأن تدخل المؤسسات يأتي كردّة فعل وليس كسياسة مدروسة ومخطط لها على المدى المستمر..
مؤكد أن بإمكان مؤسسات الوزارة أن تلعب دوراً بالغ الأهمية، وأن لهذا الدور بالغ الأثر والتأثير إذا ما درست السوق المحلية بكل أبعادها ومفاصلها، وعرفت كل ما خفي وما أعلن منها، بعيداً عن الروتين والبيروقراطية والمحسوبيات وغيرها من الأمراض التي تزيد قطاعنا العام ترهّلاً يفضي به إلى غياهب سوداوية ترضي من تسوّل له نفسه أن يحيد عن الصواب.
بمعنى أنه لابد لمؤسساتنا الاستهلاكية من أن تعمل بعقلية القطاع الخاص شكلاً ومضموناً، لتكون منافسة حقاً، وبشكل يليق بسمعتها والدور المنوط بها وباحترام المستهلك.
والأهم من هذا وذاك أن تضع المؤسسات نصب عينيها ضرورة إيصال موادها الاستهلاكية -ولاسيما الأساسية– إلى كل الشرائح وخاصة ذوي الدخل المتدني جداً، من خلال نشر صالاتها وسياراتها الجوالة، ليس في القرى النائية، بل على الأقل ضمن مناطق في العاصمة، حتى الآن لم تكحّل عيونها برؤية سيارة تدخّل واحدة.
إن اقتصار وجود تلك المؤسسات على مراكز وضواحي المدن فقط، يحدّ من الاضطلاع الفاعل بدورها الاجتماعي على أكمل وجه، ووصول دعمها إلى مستحقيه الفعليين.
ما سبق يستدعي حتمية إعادة النظر بسياساتها الإدارية والتسويقية وتطبيق مبدأ معاقبة المسيء ومكافأة المجد بعد رفدها بكوادر مؤهلة وذات خبرة تسويقية وتجارية أو إعادة تأهيل وتدريب العاملين فيها، لتصبح منافساً يحسب له ألف حساب لدى الفعاليات التجارية الخاصة، وفي الوقت نفسه شريكاً أساسياً واستراتيجياً في السوق، وتضع بقوة قواعد ضبط التوازن وكسر حدة الأسعار تماماً كبيضة القبان، لتحقق عدالة أن تصل السلعة بالسعر المناسب وبهامش ربح يكافئ البائع والشاري، وبالتالي تزداد عائداتها وتتطور منافذ بيعها، وتفوت فرصة أن يبقى وضع قواعد السوق حكراً على فئة يزداد ثراؤها ثراءً على حساب المستهلك.
للإنصاف بدأنا نلمس في الفترة الأخيرة إرهاصات توجّه جديد لمؤسسات التدخل الإيجابي، إذ إن احتياجات المواطنين الأساسية من المواد الغذائية تباع في منافذ بيع المؤسسة بأسعار أقل من السوق بنسبة 10-20%، كما تشير البيانات الصادرة عن “المؤسسة العامة للخزن والتسويق” إلى أنه تم افتتاح أكثر من 40 صالة ومنفذ بيع خلال العام الماضي، في حين تم استيراد 250 ألف طن سكر، والتعاقد على 300 ألف طن لتوزيعها على كل المنافذ.
توجّه يبشّر بسياسة جديدة تضطلع بها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، من شأنها تحقيق العدالة في السوق ولو جزئياً، آملين أن تصبح عامة وشاملة!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com