اقتصاد

التطور والاكتفاء الذاتي بدأت ملامحه تبرز على المشهد الاقتصادي.. وروح الابتكار تنتظر دعماً أكبر الأزمة تضع الزراعة والخدمات الحكومية في المقدمة بمشاركتهما بنحو 50% من الناتج المحلي العام

التطوّر الذاتي لتغطية النقص الحاصل، من منع تصدير الآليات إلى سورية والمعدات والمواد الأولية لها نتيجة الحصار الاقتصادي الظالم، سيولد روح الابتكار والإبداع والتطوير لدى السوريين، وقد يكون من أهم التداعيات الإيجابية للأزمة، (وهذا ما حصل في دول أخرى مثل كوريا الديمقراطية وإيران، حيث قامتا بصناعة كل ما رفض الغرب بيعها إياه مما شكل لهما تطوراً لافتاً شهد عليه الأعداء قبل الأصدقاء حتى وصلتا إلى صناعة الطائرات الحربية والمدنية)، إضافة للعودة إلى إستراتيجية الاكتفاء الذاتي في تأمين منتجات زراعية كنا وللأسف حذفناها من قائمة سلعنا الأساسية بعد دخول “المهجن” و”الصناعي” إلينا من دول أوروبية وخليجية.
عوامل مشجعة
ما يمكن لفت الانتباه إليه في مجال التطور الذاتي المتوقع -وذلك بناءً على الإصرار الغربي على إطالة أمد الحصار لفترة طويلة من الزمن- أن تشجيع رجال الأعمال السوريين على الاستثمار في قطاع الصناعة هو أولوية يفرضها الحصار، إذا ما أخذنا بالحسبان عدة عوامل، أولاً: خوف المستثمر الأجنبي من الاستثمار داخل سورية، على اعتبار أن الأمن والاستقرار هما أهم شرطين لجذب رأس المال، ثانياً: تخوف المستوردين في الخارج من المجيء إلى سورية خلال الفترة الحالية، وبالمقابل خشيتهم من عدم وصول البضائع المستوردة يوجب الاعتماد الذاتي والتقليل ما أمكن من الواردات.
كما أن عوامل تبدو سلبية للوهلة الأولى كالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها بعض الدول، وأثرت في جانب استيراد بعض المواد الأولية وبعض التجهيزات، بالإمكان إن أحسنت الحكومة التفكير والتخطيط تحويلها إلى دافع إيجابي من خلال تشجيع تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة بدعم مالي ومعنوي، هدفه إنتاج ما ينقص السوق من المواد الأولية والتجهيزات.
عوائد مجزية
من العوامل المهمّة لدعم الإنتاج الصناعي والزراعي على حساب السياحي والخدمي الذي نعتقد جازمين أن دورهما سيتراجع على المدى المتوسط (بين الخمس والعشر سنوات القادمة)، واللذين كانا يستوعبان نحو 50% من القوة العاملة بالدولة، أن سعي الطبقة المستهلكة إلى الضروريات وابتعادها عن شراء ما تعتبره كماليات في الفترة الحالية من منطلق “خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود”، سبّب نوعاً من الكساد الداخلي، وسينتج دون أدنى شك ركوداً اقتصادياً في الأسواق لفترة قادمة، مما سبّب أزمة بطالة مؤقتة وبالتالي لا مناص من دعم مجال صناعة المنتجات الزراعية والحيوانية والنسيجية والآليات والتجهيزات اللازمة والضرورية، كونه سيلقى إقبالاً من المستثمرين والعمالة الخبيرة والكفوءة، لما يحقّقه من عوائد استثمارية جيدة، وبشكل تدريجي سنتلمّس حالة انتعاش في السوق.
إذا كانت الحكومة عازمة فعلياً على رفع المستوى المعيشي، لابد من إشراك أغلبية المواطنين في عملية إعادة الإعمار كشرط لا غنى عنه، وذلك يقضي بالضرورة زيادة معدلات التشغيل وتقليص أعداد العاطلين عن العمل إلى مادون 20%.
وهكذا لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي حقيقي خلال سنة أو سنتين من الآن، لأننا نكون كمن يحجب عين الشمس بغربال، بعد ما حدث من تدمير ممنهج للاقتصاد الوطني بفعل الإرهابيين، الذي قضوا على أي إمكانية للحديث عن نمو اقتصادي يمكن حدوثه على المدى القريب، إذ كل ما يمكن الحديث عنه هو إعادة الإعمار وإعادة بناء البنى التحتية لقطاعات اقتصادية دُمّرت (النفط بشكل أساسي– الصناعة التحويلية بشكل ثانوي بشقيها العام والخاص..)، وعمليات إيقاف الخسائر للبدء بمرحلة تعويضها رويداً رويداً مع عقلية حكومية جديدة لا تتشابه مع أي عقلية حكومية سابقة؟!.
الحاجة أم الاختراع
التفكير بدعم الإبداع للدفع بالتطوير الذاتي من خلال دعم البحوث العلمية الزراعية والصناعية، تمليه ظروف تقول “إن الحاجة هي أم الاختراع”، إضافة إلى سبب يغيّر وجهة اعتماد الاقتصاد الوطني إلى قطاع الإنتاج نتيجة تراجع الإيرادات السياحية والخدمات المرافقة لهذا القطاع، واستمرار هذا التراجع لفترة من الزمن، لأن الضخ الإعلامي المغرض المركّز على جانب عدم الاستقرار الأمني وغياب الأمان سياسة دعائية مخطط لها من أعداء سورية لنقل صورة الارتباك والتهويل وعدم الاستقرار على الأرض، غايتها “تطفيش” السياح وتدمير موسم السياحة (وذلك على عكس المسيرات التأييدية للدولة واستقلالها التي تسعى لنقل صورة وحدة الشعب والقيادة والعمل على بث الطمأنينة).
بالمقابل هناك مقدمات تدعم وتجذب العمل في قطاعي الزراعة والصناعة والاعتماد على الذات في تطوير الإنتاجية، كونهما الوحيدين اللذين سيحافظان على بقائهما بسبب ارتباطهما بشكل رئيسي بالغذاء وبالحاجات الرئيسية للمواطن التي لا تتأثر بشكل ملحوظ بالأزمة مهما تأثر الاقتصاد، وبالطبع أدّت الأزمة إلى تغيّر تركيب الناتج المحلي الإجمالي كثيراً، حيث شكل القطاعان الزراعي والخدمات الحكومية نحو 50% من الناتج خلال العام 2013، بعدما كانا يشكلان في العام 2010 ما يعادل 30.4% من الناتج المحلي –حسب تقرير للمركز السوري لبحوث السياسات، غرضه متابعة وتقييم آثار الأزمة الحالية على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للسوريين، ويغطي التقرير، بدعم من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الفترة الواقعة بين تموز وكانون الأول العام 2013.
الزج بالطاقات
إن الفترة الحالية والقادمة تتطلبان من الحكومة الزج بكل طاقتها لاستثمار رغبة الكثير من الكفاءات والخبرات السورية في إبداع وابتكار وسائل بديلة لإنتاج آليات ضرورية ومشابهة للواردات المحظورة عن بلدنا نتيجة الحصار الجائر، لنؤكد من جديد أن الاعتماد على الذات مرحلة بدأت تنتظر من كل جهة معنية على حده الدعم الكامل لتنطلق بشكل أسرع، وهو أمر سيأخذ وقتاً قد يطول لأشهر أو ربما لبضع سنوات إلا أننا سنحصد ثماره عاجلاً أم آجلاً، وفترة ثمانينيات القرن الماضي التي تثبت بلوغنا مرحلة الاكتفاء الذاتي، لأننا أقسمنا وقتها على أن نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، هي خير دليل على نجاحنا، شاء من شاء وأبى من أبى.
دمشق– سامر حلاس