ثقافة

ما أحوجنا اليوم لأمثاله.. الشاعر يوسف الخطيب.. عشِق سورية وأوصى أولاده بالبقاء فيها

ألقاب كثيرة لُقِّب بها وعجزت المعاني عن إيجاد لقب جامع مانع له، فكان متنبي فلسطين ومجنونها، شاعر العروبة والمقاومة والإنسانية، شاعر البعث، وشاعر الثوابت والعودة والموقف، وآخر فرسان قصيدة المقاومة، وشاعر الذاكرة الفلسطينية.. وهو من كل هذه الألقاب يوسف الخطيب الذي رحل وفي قلبه غصّة العودة إلى فلسطين وغصّة ما حدث في سورية البلد التي أحبها وأوصى أولاده بالبقاء فيها، ولكل ذلك لم يكن استحضاره في إحدى ندوات سلسلة “أعلام خالدون” والتي عقدها المركز الثقافي في أبو رمانة مؤخراً بالأمر السهل، ليكون الاستحضار الأجمل بحضور معظم أفراد أسرته وفي المقدمة زوجته السيدة بهاء الريس، فحضر بذلك روحاً وجسداً، وهم المخلصون لفكره وقناعاته وثوابته والحافظون لوصيته التي دعاهم فيها إلى البقاء في سورية التي كان يخاف عليها، ويبيّن ابنه المخرج باسل الخطيب في تصريحه الخاص لـ “البعث” على هامش الندوة أن والده رحل بعد ثلاثة أشهر من بداية الأزمة في سورية وهو الذي وقبل سنوات طويلة كان يدرك برؤيته المستقبلية أن سورية بنهجها المقاوم ودعمها للقضية الفلسطينية وحركات المقاومة العربية لن يتركها الأعداء وستُستَهدَف، ولذلك كان مقتنعاً بأن ما حدث في سورية لم يكن وليد اللحظة وكان يُحضَّر له منذ زمن طويل، ولا ينكر الخطيب أنه يجد صعوبة دائمة في إيجاد الكلمات التي تعبّر عن حجم غياب الأب والشاعر يوسف الخطيب وأن أكثر ما يعزيه أن والده عاش حياته بشكل مستقلّ وقد دافع عن وجهة نظره ودفع الثمن غالياً، فظلَّ حتى بعد رحيله قامة وأنموذجاً إنسانياً وأدبياً وفكرياً يحتذى به، لذلك فإن أفراد أسرته سيتابعون السير على نفس الطريق الذي سار فيه ليبقى بوصلتهم نحو المستقبل، وكابن له يؤكد باسل الخطيب أن جميع أفراد عائلته تعلموا منه معنى الاجتهاد والصبر والدفاع عن المبدأ، وقد عُرِف بمواقفه الوطنية دون تنازل، مشيراً إلى أنه تأثر به كثيراً وورث عنه الصلابة في الرأي والاعتزاز بمواقفه فكان مرجعه في عمله من خلال توجيهاته الهامة.
ويختم باسل الخطيب تصريحه مبيناً أن عقد وزارة الثقافة لهذه الندوة في ظلّ الظروف الصعبة وإصرارها على الاستمرار في الحديث عن جيل من الرواد والشعراء والمناضلين الذين تركوا بصمة في تاريخنا المعاصر إنما هو دليل على أن سورية كانت وستبقى المخلصة لكل محبيها.

آمن بالشام وروح البعث تحرسها
في حين يعترف الابن الثاني ليوسف الخطيب د.وضاح الخطيب وهو أحد المشاركين في الندوة إلى جانب الباحث أحمد بوبس أن الحديث عن والده كأب ومبدع من الصعوبة بمكان، وأنه ظلّ لأيام يفكر قبل الندوة بالأشياء التي يمكن أن يقولها عنه في دقائق، وما بين الرغبة في الحديث عنه كأب أو كشخصية أدبية عامة فضَّل الحديث عنه كشخصية أدبية عامة، خاصة وأنه درس والده شعراً وفكراً ومقولة إنسانية، فكان الإنسان المبدئي الذي تمسك بمبادئه لا عن عناد بل عن قناعة تامة، فأمضى عمره وهو يدافع من موقعه كلاجئ فلسطيني عن القومية العربية كفكرة تحررية معتبراً نفسه مواطناً في أي بلد عربيّ ذهب إليه حتى لو تم استقباله كلاجئ، مؤمناً أن الوطن يقبع أساساً في قلب وعقل وضمير الإنسان ولا يمكن اختصاره بهوية أو ببطاقة سفر، ويشير وضاح الخطيب إلى أن الشاعر أو المفكر إذا لم تكن لديه رسالة تكون منارة لمن بعده تصبح حياته انغماساً في الذات، وهو ما تجنبه يوسف الخطيب فكان الإنسان الفكرة الذي يدرك أن الجسد يموت ولكن الأفكار تبقى خالدة أبداً .
كما تناول د.وضاح الخطيب في مشاركته همّ الشاعر يوسف الخطيب الوطني والشعريّ وحبّه الكبير لدمشق التي سكنها حياً وميتاً وقد قال فيها:
آمنتُ بالشام روح البعث تحرسها
ما جلق هذه بل كعبة العـــــــــــــــــرب
ويؤكد وضاح الخطيب أن الشاعر ظلّ خائفاً عليها لإدراكه أن أعداء الأمة سيسعون لتدميرها، في حين كان همّه الشعريّ المؤسس لمقولة التحديث على قاعدة التأصيل حيث لا يمكن لإنسان برأي يوسف الخطيب أن يدّعي الحداثة بإدارة رأسه لحضارته وتاريخه وأن الحداثة الحقيقية كما رآها تجمع ما بين اللحظة وحرارتها والتراث بأصالته.

لو ميتاً يا وطني ألقاك
أما الباحث أحمد بوبس فيتوقف في مشاركته عند الثورية التي ميزت شعر يوسف الخطيب ولاسيما في السنوات الأولى التي أعقبت خروجه الإجباريّ من فلسطين وقد اتصف شعره في هذه المرحلة باللهجة الثائرة المجلجلة بدافع من فوران الجرح الفلسطيني الساخن، ولعل قصائد ديوانه الأول خير ممثل لهذا الاتجاه في شعره:
أنا مشعل أنا مارد جبـــــــــــــــــار
لا الريح تخمدني ولا الإعصار
ويؤكد بوبس أن الشاعر يوسف الخطيب رفض البكاء على وطنه المغتصب والوقوف على الأطلال ورأى في الثورة السبيل الوحيد لاستعادة الوطن المغتصب:
أيها اللاجئ انتفض/أنا أنت/نحن للموت للردى/انتفض/وإذا أنت لم تثر/فاندثر/خذ لكفّيك خنجراً /وانتحر
كما يوضح بوبس أن الثورة والدعوة إليها لم تغب عن شعر يوسف الخطيب في مراحله المتتالية ولكنها ابتعدت عن الخطابية والمباشرة التي اتسمت بها قصائده الأولى فجاءت الدعوة إلى الثورة بشكل أكثر فنية وهدوءاً:
سيعود أهل الدار رغم مخالب الظلم الدوامي/ رغم الذئاب هناك في الكهف المبطن بالرخامِ
ويختم الباحث بوبس كلامه مشيراً إلى أن يوسف الخطيب رحل ولم يحقق الكثير من الأمنيات أو الأحلام التي كان يحلم بها، وخاصة  لقاءه بفلسطين:
لو ميتاً يا وطني ألقاك/لا أناشد الوجود غير ذاك/أن يشيع فيك أن أراك
ويبين بوبس أن أمنية وحيدة قد تحققت له وهي حفنة من تراب فلسطين قبضتها كفّه حين ووري الثرى في دمشق وقد وصلت إليه من فلسطين بناءً على طلبه قبل يوم من رحيله.

أمينة عباس