اقتصاد

جهة مسؤولة مختصة لإعادة الإعمار.. تشريع فرضته الأزمة “البناء والتنمية” سيرة وانفتحت.. واتفاق على أولوية البشر قبل الحجر

بدأ الحديث فعلياً عن إعادة الإعمار في النصف الثاني من العام الماضي، فتضاربت الرؤى وتشابكت الأهداف وأخذت كل جهة تدلي بدلوها، دون نتيجة تذكر على أرض الواقع، إلا أن ما يمكن توثيقه أنه وفي هذه المرحلة -ولو نظرياً – انطلق البناء والإصلاح، ولا يختلف اثنان على ذلك.
وجلّ ما خرج به نظريّة إدارية مفادها: في ظل غياب التنسيق نجد من الأهمية التخطيط لوزارة مختصة بإعادة الإعمار توضع لها هيكلية تناسب دورها المنوط بها في تحديد ما يتوجب بناؤه وما يمكن صيانته، ومن أين تبدأ كأولويات للانطلاق على حدّ تعبير الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد حامد مدير المؤسسات في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، الذي قال لـ”البعث”: إن إيجاد جهة تنفيذية بمستوى وزارة لإعادة الإعمار، تشريع يفرضه واقع الأزمة والكوارث البشرية والمادية الهائلة الناتجة عنها، أسوة بإحداث وزارة للمصالحة الوطنية وإعادة العمل بوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك (التموين سابقاً).

التوفيق بالعمل
تحديد الأولويات وطرق التمويل وكيفية معالجة النفوس قبل التفكير في الفلوس، يفترض أن تكون منها الانطلاقة؛ أم أن الإصلاح المادي والاستقرار المترافق مع برامج دعائية تستهدف النفوس وتحقيق الأمان لها، هو أولوية تؤدّي إلى عودة تدريجية للطمأنينة وبالتالي تعدّ المعالجة النفسية وتعزيز الثقة تحصيل حاصل، وبالتالي كيف يمكن التوفيق العملي بين البشر والحجر في جهة تنفيذية واحدة؟! ويرى عميد المعهد العالي لإدارة الأعمال “هبة” الدكتور علي الخضر أن يشترك في قيادتها الفعاليات الرسمية والاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية وأن يتم اختيارهم من الخبراء الوطنيين ومن ذوي الأهلية والكفاءة والنزاهة.
الخضر في تصريح لـ”البعث” اقترح إحداث هيئة مستقلة عليا لإعادة الإعمار لا وزارة، وأن تتشكل من وحدة إعادة إعمار البشر قبل الحجر (تغليب إدارة البشر على إدارة الماديات)، والتركيز على مفهوم العقد الاجتماعي المناسب، ووحدة لحصر وتقدير الأضرار المادية، وإيلاء الشباب الأهمية القصوى وإشراكهم في صياغة برامج إعادة الإعمار وتنفيذها، وأخرى للبنى التحتية (جسور، وطرق، ومرافئ، ومطارات)، ووحدة التمويل والاستثمار (محلياً، وإقليمياً، ودولياً).
تعدّد المهام
إحداث هيئة بصلاحيات واسعة قد يصعب على القائمين عليها تحقيق الأهداف المرادة من وجودها، بينما الوزارة بهيكليتها المعروفة “مديريات في المحافظات والمدن ودوائر مركزية” تكون نسب النجاح في أدائها أعلى من الفشل، من وجهة نظر الخبير الاقتصادي الدكتور علي حسن الذي أشار لـ”البعث” إلى إمكانية تعدّد الاختصاصات في الوزارة، حيث يمكن تعيين معاون وزير للشؤون الاجتماعية وثانٍ للاقتصاد وثالث للتمويل، وتصبح قراراتها حكومية ملزمة لكل الأطراف، بينما يعتقد الخضر أن هيئة مستقلة ومؤثرة وشريكة في القرار تتبع لرئاسة الحكومة في البداية مرحلة كافية ووافية، وبالإمكان تشكيل عدة وحدات فيها، منها للصناعة والصناعة الرقمية مع التركيز على اقتصاد إدارة المعرفة، وأخرى للزراعة والصناعات الزراعية المتكاملة، وللخدمات والمؤسسات الرقمية، ووحدة لدراسات الجدوى وإدارة الأداء..
إلا أن الخضر رأى أنه بالإمكان منح الهيئة السلطات والصلاحيات المطلوبة وإتباعها إلى أعلى سلطة سيادية، وأن تتكامل مع الهيئات (الوزارات) القائمة المنتظرة (الزراعة، والصناعة، والاستثمار، وهيئة التخطيط والتعاون الدولي، وغرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة)؛ وقال الخضر: من المناسب أن تختار الوزارات المعنية مجموعة من الخبراء ليكونوا أعضاء ممثلين لهذا الجهاز في هيئة إعادة الإعمار؛ ومن القضايا التي يعتقد عميد المعهد العالي للإدارة أن يتم التركيز عليها تحديد مصادر التمويل الداخلية والعربية والأجنبية بما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية والسيادة واستقلال القرار السياسي.
في مرحلة التعافي المبكر وإعادة البناء، تكون مستويات العمل عبر تطوير وخلق المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الرديفة، وتنسيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الكلي، كانت بدايات الحديث عن إعادة الإعمار، وبذلك لا مناص قبل الحديث عن تأسيس مؤسسات أو وزارات من البدء بالتحضير لمرحلة ما بعد الأزمة باكراً، حتى في ظل ظروف استمرار الأزمة، إذ إن مسائل الإصلاح الصعبة والتغيير المؤسسي من الناحية السياسية -كما يعتقد فضل غرز الدين معاون رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي لشؤون التخطيط- يمكن صياغتها وتطويرها وتقديمها في المراحل الأولى لإعادة البناء، وتشكل أساساً فاعلاً لمسار عملية التنمية في سورية على المديين المتوسط والبعيد، وبناء عليه يرى من الأهمية إعطاء أولوية لتحديد دور كل من القطاع العام والخاص والمجتمع الأهلي في العملية التنموية، وأولوية للزراعة والصناعة، وللشراكة بين العام والخاص، وبرامج تنمية المشاريع الصغيرة، وعقلنة الدعم الاقتصادي والاجتماعي، وإعادة الاندماج الاقتصادي والاجتماعي للريف.
سياسات شاملة
وبيّن غرز الدين أن تحديد دور كل من القطاع العام والخاص والمجتمع الأهلي في العملية التنموية كبير جداً في تعزيز عملية استعادة التمثيل المؤسسي والتشاركية بهدف تعزيز عملية صنع السياسات الشاملة الكفؤة، وفي هذا الخصوص، سيتم التركيز على الدور المحتمل لاتحاد غرف التجارة، وتطوير وتأسيس المنظمات المهنية (جمعيات منتجي الحمضيات، والدواجن، واتحاد المصدّرين)، ومنظمات المجتمع المدني في إدارة مخاطر الأزمة وتعزيز عملية التنمية التضمينية الشاملة.
لجنة عليا لإعادة الإعمار لمتابعة الخطوات المنفذة في هذا الإطار بمشاركة وزارات متعدّدة، هي الجهة القائمة حالياً، على اعتبار أن العملية تمسّ كل قطاعات الحياة في سورية فضلاً عن تشكيل لجنة وزارية للتنمية البشرية بهدف دراسة إعادة بناء الإنسان فكراً ومضموناً.  يتطلب نجاح عمليات إعادة الإعمار وضع استراتيجية تنموية وتنفيذ إصلاحات هيكلية تبني اقتصاد السلام الاجتماعي مع ضرورة تشكيل إدارة عليا لعملية إعادة البناء تتولى التنسيق بين مختلف الوزارات والمؤسسات المعنية بذلك، حيث تضع استراتيجية وطنية لإعادة البناء تشرف على تنفيذها مع العمل على إعادة تأهيل الفعاليات الاقتصادية وخلق فرص عمل وتأمين الخدمات الأساسية للسكان.
دمشق – سامر حلاس