ثقافة

أدب النصيحة نحو هذه الوحدة.. في العالم!

أكرم شريم

فاجأني خبر ينتشر هذه الأيام في العالم، وأتوقع له أن يثير ردود فعل كبيرة واسعة، وقد تثير زوابع إعلامية من التأييد، أو الإنكار، أو المناقشات السلبية، أو الإيجابية، خاصة وأننا نعرف عدد البرامج (التفسيرية) في المحطات التلفزيونية، والإذاعة، والصحافة، والمجامع، حيث يجتمع الناس، والمساهر، (وهذه من تأليفي)، أي حيث يسهر الناس، والأصدقاء، والأقرباء في البيوت، وخارج البيوت!.
وكي لا ننسى الخبر، ويصير بنا مثل حوارات هذه البرامج المتكاثرة في الإعلام، حيث يبدأ المتحدث بالخبر، ثم يصير يحكي لنا قصة حياته، وحياة جماعته، وأعماله الإيجابية، وأعمال جماعته، وتقلب المحطة فيخرج آخر، وفي الحالة نفسها، وتظل تقلب المحطات حتى تقلب أنت نفسك في السرير، وتنام، علماً بأن الأطباء ينصحون بعدم وضع التلفزيون في غرفة النوم، على الأقل لكي تستطيع أن تنام قليلاً من النوم العميق.
لاحظوا أن كل أنواع الأعمال في العالم لها عطلة إلا الحارس الليلي أيام زمان، ومحطات التلفزيون هذه الأيام!.. وليت أننا نقوم بالإحصاءات في بلادنا كغيرنا من البلاد الحريصة، ونبدأ بهذا الإحصاء: كم منزل في بلادنا يضع جهاز التلفزيون في غرفة النوم عكس النصائح الطبية؟! وكم من منزل يترك جهاز التلفزيون يعمل حسب النصائح الطبية، إذ يبتعدون عنه ثلاثة أمتار، وهم يتفرجون، وخاصة الأطفال؟! وكم من منزل يُبعد الأطفال عن التلفزيون حين تنتهي مدة عروضهم الخاصة بهم، فلا ينامون على أحضان ذويهم في الليل، وهم يتفرجون على هذه الحروب والمجازر في العالم، هذا قتل، وهذا حقير، وهؤلاء مجرمون، وهذه مؤذية وكاذبة، ووقت نومهم (العالمي) المعروف للأطفال قد مضى عليه وقت المخالفة، والإهمال، ويعلم بذلك كل من الأم (الأمومة)، والأب (الأبوة)، وكل ذويهم أحياناً!.
أما عن الخبر العالمي الذي أتوقع له أن يثير ردود فعل إعلامية، وربما سياسية، وفكرية، واجتماعية، فهو أنه يوجد في هذا العالم أكثر من ملياري فقير، وتحديداً يوجد (ملياران ونيف من أصل سبعة مليارات هي كل سكان العالم)، أي أنه يوجد فقير واحد، وبإحصاء عالمي، ودون مستوى خط الفقر من كل ثلاثة من البشر، فماذا يعني هذا بالنسبة لموضوعنا، وهو هذا الانتشار الواسع لمحطات التلفزيون التي تُعدّ الزاد الوحيد، والتسلية الوحيدة، والتعليم الوحيد لهذين المليارين ونيف من الفقراء؟.. وحسب الإحصاء العالمي، كما ذكرنا، وليس حسب وجهة النظر هذه أو تلك، إذاً، فهناك مدارس عكس المدارس يا وزارات التربية والتعليم في العالم، وإن لم تكن عكس المدارس تماماً، فهي على الأقل بالنسبة للشباب والمراهقين والأطفال، وبما تحتويه من عروض للحروب والمجازر، وأحداث الاعتداء والقتل هي عكس المدارس! وخاصة في هذه المسلسلات التي تعرض وباستمرار عشرات الحلقات للقصة الواحدة، وأحياناً دون التشابك في الأحداث، وتطورها، والذي يستدعي وقتها هذا التطويل.
ماذا نقول، إذاً، عن المسلسلات عند غيرنا، والتي تعرض مئات الحلقات؟! ونحن نتساءل هنا، ومن خلال طبيعة وشروط هذا العمل الدرامي نفسه، فمن المعروف أن الغاية من الأحداث إنما تكون في النهاية، فما هي هذه النهاية التي تعبر عن الغاية من عشرات، بل مئات الحلقات؟ وهل نحن نصبر على المشاهدة من أجل هذه النهاية النائمة أو المختبئة من المشاهدين، أو غير المكترثة بهم؟ وما نريد قوله هنا، بل والتأكيد عليه: إذا كانت هذه الأعمال الدرامية والبرامجية التي تقدمها هذه المئات من محطات التلفزيون، وتحديداً الناطقة باللغة العربية، هي هكذا، فما بالك بالمحطات التلفزيونية العالمية الأخرى، والناطقة بكل اللغات؟ وهكذا تكون النصيحة اليوم أن تتم الترجمة، وخاصة الترجمة الصوتية التي كانت موجودة عندنا سابقاً ثم اختفت، أقول بأن تتم هذه الترجمة الصوتية لكل الأعمال الدرامية والبرامجية التي ننتج، والتي يجب أن نستوردها من العالم، ونعرضها في بلادنا، وباستمرار، ووقتها يصبح لشاشاتنا، مهما كثر عددها، كل الأهمية، ويصبح عندها كل ما هو جديد، وعالمي، ويضمنا إلى العالم، ويضم العالم إلينا، إنما يحقق من خلالنا وخلال العالم ما يمكن أن نسميه وحدة العالم الإعلامية، والدرامية، والبرامجية، ولنكن نحن البادئين!.. وعلى عكس ما يعمل له أعداؤنا، وأعداء الشعوب!.