اقتصاد

الوصول إلى نقطة التوازن يستدعي إعادة الدوران بين الشـدّة والتأثيـر عوامـل قـوة الاقتصـاد السـوري في دائـرة التفعيـل

رغم المآخذ الكثيرة التي سجّلت على طريقة إدارة القطاعات الاقتصادية بداية الأزمة الراهنة حتى وقت قريب، إلا أن الاقتصاد السوري اليوم وبإجماع المتابعين والتقارير المثبتة، وصل إلى نقطة توازن بعد سقطة عنيفة أصابت معظم قطاعاته المولّدة للدخل بضربات مفاجئة كادت ترديها.
هذا التساوي بين الفعل وردّات الفعل نتج عنه استقرار نسبي ليس فقط في معادلات الأسواق ونشازها المفاجئ، وإنما في ضوابطها التلقائية التي تحكمها، وقد يعزّز تثبيت دعائم الاستمرارية في التوازن المتغيرات المترافقة على الصعد المختلفة، فبين التصحيح التلقائي لأوضاع القطاعات الاقتصادية وإدارتها كان هناك نوع من الاتساق لُمح في الفترة الأخيرة، وكانت هناك محاولات استدراك واستشراف ووضع خطط أعادت الكثير من التنظيم إلى عمل هذه القطاعات، حيث يظهر تقرير اتحاد غرف التجارة الأخير أن “هذا التوازن الجديد في ضوء الظروف الحالية، يعني أن التراجع قد يتوقف عندها إذا لم تحدث أمور غير متوقعة”، لكن أيضاً يحتاج هذا التوازن إلى “قيام الحكومة بكل ما تستطيع لإعادة عجلة الإنتاج إلى الدوران في المناطق التي يمكن العمل بها مع التركيز على القطاع الزراعي”.
أيضاً إلى جانب الضوابط التلقائية التي صحّحت مسار الاقتصاد السوري كان هناك دور للقائمين على إدارة هذا الاقتصاد وخاصة في الفترات الأخيرة، بعد أن تم الابتعاد عن التعامل بردات الفعل، وأصبح هناك نوع من التحضير وإدارة المخاطر نتيجة تراكم الخبرات خلال سنوات الأزمة لجهة التعامل مع المستجدّات.
صلابة
وإذا كانت نقطة التوازن تلك التي وصل إليها الاقتصاد السوري نواة انطلاق نحو إعادة دوران العجلة، ستكون إعادة الإعمار أولى محطات هذا الدوران، ما يفرض تعزيز نقاط القوة التي يمتلكها الاقتصاد السوري والتي أدّت دور المثبّت الصلب أمام الاهتزازات القوية، مع تلافي نقاط الضعف قدر الإمكان وإضعاف تأثيرها، وبهذا الشأن يجمل أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور أكرم حوراني نقاط القوة التي يمتلكها الاقتصاد السوري بأنه “اقتصاد متنوّع ويمتلك صناعة استخراجية وتحويلية وزراعة قابلة للتطوير وسياحة واعدة وموقعاً جغرافياً متميزاً وقوة عمل ملائمة في العديد من القطاعات، واتفاقات وشراكات اقتصادية متعدّدة عربية وإقليمية تؤمّن سوقاً واسعة”.
أما نقاط الضعف فيشير إلى أن الإصلاحات الاقتصادية كانت مجتزأة وبطيئة ولم تستطع بالتالي النفاذ إلى عمق الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد السوري، ولم تترك أثراً بارزاً في تدفق الاستثمار أو في ارتفاع إنتاجيته أو في زيادة التصدير، وبالتالي في عملية النمو، وكذلك أيضاً الانفتاح والتحرير والاندماج غير المدروس وخاصة الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، حيث أثر سلباً في الاقتصاد الوطني، وزاد مشكلة البطالة وبالتالي الفقر.
وأيضاً ضعف الإدارة المالية، مع استمرار عدم مواءمة معظم التشريعات والقوانين والأنظمة والإجراءات لأنماط الإدارة العصرية الحديثة، إضافة إلى انخفاض الإنتاجية وضعف القدرة على التصدير، وارتفاع معدلات البطالة الفعلية وغيرها.
استدراك
يختلف تحديد الأولويات عند فرد الطروح الخاصة بإعادة الإعمار والبناء، والنهوض مجدداً بواقع الاقتصاد السوري، لكن غالباً ما يكون الإجماع مركّزاً على القطاع الزراعي نظراً لتشعباته المختلفة على واقع الحياة المعيشية للسوريين، وهنا يرى الدكتور حوراني وجوب اعتبار الزراعة أولوية في استراتيجيات التنمية وإعادة الإعمار، وتخفيض تكاليف الإنتاج الزراعي، وتشجيع الزراعات ذات الميزات النسبية التي تحقق قيماً مضافة، وتأمين الدعم الضروري للصناعات التحويلية الزراعية والمساعدة في تصريف المنتجات وتصديرها، إضافة إلى اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لزيادة الاستثمارات في القطاع الزراعي.
أما متطلبات النهوض بالقطاع الصناعي -يضيف الدكتور حوراني- فتتمثل في إعادة النظر الجوهرية ببعض القوانين الناظمة لعمل هذا القطاع، بما يضمن تسهيل إنشاءالمشروعات ودعمها بتوفير البنية التحتية والتشريعية والتمويلية المناسبة واللازمة لرفع الكفاءة الإنتاجية والقدرة على المنافسة، وتوفير المقومات للارتقاء بالمناخ الاستثماري، وتشجيع حقيقي للصناعات الصغيرة والمتوسطة، والتوسّع في إنشاء الصناعات الموجّهة للتصدير، إضافة إلى تحقيق التوزيع الإقليمي المناسب للأنشطة الصناعية وتحقيق الارتقاء التكنولوجي لها وإكسابها القدرة على تعظيم القيمة المضافة.
عصب نمو
يعتبر قطاع البناء والتشييد حجر الأساس في تكوين الأصول الثابتة في مختلف قطاعات الإنتاج السلعي والخدمي، حيث يقوم بإنجاز المشاريع الإنشائية لها، وهو بذلك يولّد فرص عمل متزايدة، ويقول الدكتور حوراني في هذا الجانب: إن الدمار الذي أحدثته الأزمة، يتطلب مشاركة واسعة من الشركات العاملة في القطاع الإنشائي سواء كانت محلية أم عربية أم دولية.
ويتطلب نهوض هذا القطاع برأيه وضع رؤية استراتيجية لوجه سورية العمراني، ولتوزيع الفعاليات الإنشائية في مختلف المناطق السورية بما يخدم المسيرة التنموية الوطنية.
كذلك يرى اتحاد غرف التجارة في تقريره لإعادة دوران عجلة الاقتصاد “ضرورة التركيز على القطاع الزراعي على اعتبار أنه أسرع القطاعات تعافياً في حال توافرت له الإمكانات اللازمة وتجنّب رفع أسعار المشتقات النفطية والطاقة لما له من أثر مباشر في رفع معدّلات التضخم، ودعا الحكومة أيضاً إلى التركيز على تحقيق الاستقرار النسبي قدر الإمكان في سعر صرف الليرة السورية، حيث يرى أنه العامل الأول في المحافظة على استقرار مقبول في الوضع الاقتصادي العام في ظل الواقع الحالي.
دمشق – سامية يوسف