ثقافة

“بقايا ندم” للأديب غسان كامل ونـّوس

في القصـّة القصيرة تقديم لجوّ وحالة، ويبرع الكاتب كلما أتقن في رسم لوحة من شخصيات وحدث ومونولوج.. وفي ظلّ ما تشهده سورية من أحداث دامية، لا بدّ لأدبائنا من القيام بواجبهم في رصد وتصوير وتظهير الحالات والأوجاع، التي أنتجتها الأزمة، وما يرافقها من تأثير على الفكر والمجتمع. وكثـُرٌ هم الذين كتبوا بتأثير الأزمة، وما كان لهم كتابات سابقاً، فما أحرى بكبار أدبائنا أن يقوموا بدورهم، وتـأتي المجموعة القصصية (بقايا ندم) للأديب غسان كامل ونـّوس ضمن هذا الإطار، أديبنا قدّم سابقاً إبداعاً ورؤيةً في أنماط أدبية كثيرة، من قصة وشعر ورواية ومقال، وهو يتميـّز بالتمكن لغوياً حيث نجد عباراته موظـّفة وعلى الوجه الأكثر تعبيراً، كما يتقن فن المونولوج ويعطي من خلاله البعد المراد لعمله الأدبي، وفي ترميزه استناد على الواقع فهو الحامل المحمول، في قصـّته (وردة آخر الوقت) يدخل الكاتب إلى جوِّ القصـّة بفنـّية عالية (تستطيع الوردة أن تعيد الأشياء التي أوّلها أنت، وآخرها أنت، أمـّا متونها، فأسـّها أنت أيضاً) ص5 ونجد الكاتب يعمل على تقديم أفكار ورؤى، أكثر ما يميل لتقديم سرد قصصي أو حدث، لذا نجد في أسلوبه صعوبةً لقارئٍ غير متمرّسٍ، نلمس في قصصه عنصر التركيز، إذ لا وصفاً أو حدثاً أو شخصيـّةً  بلا توظيف، ويظهر عنصر الوحدة، وهو أساسي في العمل الأدبي عموماً، في قصته (طواف) يقدّم الكاتب من خلال المونولوج، أبعاد قصـّته، ويضمـّنها حـِكَماً تخدم غاية القصـّة (لا نحسُّ بجـِدَّتها وخطورتها إلاّ بعد أن تستشرس… لن يكون القضاء في الأيدي الآثمة، ولا القدر رهنَ الأفكار الشـّرّيرة…) ص18 في قصـّته (وجدتها) توصيف لآلام ومآسي السـّوريـّين في أزمتهم، من خلال نقل صور واقعية وعبارات دالّة: (تقول أمٌّ: لو لم يعد ابني حقـّاً، لو لم أره على هذه الهيئة.. وقال أب: لو أنـّها ماتت بدل أن تعود بلا علامات أنثى..) ص26 يشير الكاتب إلى سبب مآسي البشر، (لماذا هذا التـّجاوب البشري القطيعي مع دعوات بهيميـّة؟) كما يشير إلى منابع الشرِّ في العالم (فوضى منظـّمة تلبيةً  لإشارات عابرة للبحار، والقفار، والحواس، والأفكار) ص 29
يستخدم الكاتب لغة مكثـّفة، فلا نجد في سرده القصي زوائد لا توظيف لها، كما أنّ عباراته دالـّة وعميقة (صار مطلوباً من الكثيرين، بعدما ظلَّ متخفـّياً زمناً، مع أنّ حركاته في الظلِّ المنظور لم تهدأ) ص 41
هول الجرائم التي ارتكبها الإرهابيون لا بدّ من توثيقها إعلاميـّاً وأدبيـّاً (الذّبح بالمنشار، والاغتصاب بالمثقب الكهربائي، تم تجاوزها مؤخـّراً بعد تقاذف رأس وليدٍ بين الأقدامِ كرةً دامية) ص 45
قصـّة (زيارة) تعالج الـتّأثير السـّلبي لبعض رجال الدّين الذين يلوون عنق المبادئ الدّينيـّة ويفصلون الدِّين عن الأخلاق، وتعالج قصـّة (بلا معنى) تناقضاً صارخاً بين حال المجتمع الذي يحضنه الخجل والأخلاق، وبين حالته في ظلّ ما جاء به الإرهاب من ضرب لكلّ أنماط الأخلاق والخجل، يعتمد الكاتب اللغة المكثـّفة واللفظة الأكثر دلالة، ويحمـّل طاقة تعبيريـّة كبيرة لكل جملة في النـّصّ القصصي (من كانوا والغين في مسؤوليـّاتهم المسيلة لسوائل عديدة، إضافةً للعاب) ص 81
في قصـّته (بقايا ندم) تصبح غاية الإنسان هي الوطن فالأب الذي استشهد ولداه وبقي الثـّالث، لا يتأسـّف إلاّ على ما كان ينويه من إنجاب أطفالٍ أكثر، هو يريد افتداء الوطن والتـّضحية أكثر، هو لا يريد لابنه الوحيد المتبقـّي أن يعود من خط المواجهة، بل يريد أن يمتلك أكثر كي يضحـّي أكثر لا لغاية أخرى.
للقصة القصيرة مكانتها ودورها في الأدب، وهي مؤثرة بشكل كبير وفاعلة، وهذا النـّمط الأدبي مناسب لتظهير حالات وألوان من مآسي السـّوريين في ظلّ الإرهاب المخطـّط له والمدعوم من قوى الاستعمار والرّجعية.
(بقايا ندم) مجموعة قصصية للأديب غسان كامل ونـّوس، تنوف عن مئتي صفحة، قطع وسط إصدار دار الهندسة والأدب، لأديبنا عشرات المؤلفات في الشعر والقصـّة القصيرة والمقالات.
قيس محمـّد حسين