اقتصاد

من الاستحقاق السياسي إلى الاستحقاق الاقتصادي

الحالة الديمقراطية وصدقية الشعور الوطني اللتان شهدتهما وما زالت تشهدهما سورية، وخاصة منذ بدء الإعلان عن الاستحقاق الرئاسي، وأثناء الانتخاب، وعقب إعلان النتائج، يندر أن شهدهما أو يشهدهما بلد من بلدان العالم، ومن يرون غير ذلك، أياً كانوا فليخبرونا من هو البلد الذي اعتمد صور جميع المرشحين لرئاسته على بطاقة انتخابية واحدة، قبل سورية، ومن هو الحزب الذي جهَّز صورة المرشحين الآخرين على حسابه وطلب من أعضائه أن يلصقوها على مداخل المراكز الانتخابية بجانب مرشحه، غير حزب البعث العربي الاشتراكي، ومن هو البلد الذي حاز أحد المرشحين لرئاسته ثقة غالبية قيادات ومنتسبي الأحزاب الوطنية المرخص لها قانوناً، وتقاطر مواطنو بلده المقيمين في الخارج لانتخابه وبكثافة عالية، وكثير من العرب وأحرار العالم رفعوا صوره وهتفوا له في أكثر من دولة، بما في ذلك الإخوة الفلسطينيون الذين هم تحت نير الاحتلال البغيض.
لقد كانت وقفة السوريين المقيمين في الخارج يوم 28/5/2014، محطّ اعتزاز في جميع البلدان التي أتيح –أو لم يتح- لهم فيها انتخاب رئيس الجمهورية، حيث اصطفوا بحماس للإدلاء بصوتهم، أو تجمهروا بغضب استنكاراً لمنعهم من التصويت، والاعتزاز الأكبر تجلَّى يوم 3/6، عند قدوم بعض المغتربين الذين لم يتح لهم التصويت -وفي مشهد يبكي من شدة الفرح- لدخول البلد لساعات، لغاية أداء حق التصويت وبكل حيوية ونشاط، ومن ثم العودة، دون تمكُّن معظمهم من زيارة الأهل والأقرباء، وتقاطر الملايين من المقيمين في الداخل إلى صناديق الاقتراع بكثافة قلَّ نظيرها -محلياً أو عالمياً– ما منع الحاجة لتمديد زمن الاقتراع يوماً آخر، والاكتفاء بساعات قليلة فقط لاستكمال دور المصطفين، بحيث كانت النتيجة تحقُّق نسبة عالية من المقترعين.
ولا يظنن أو يجهلن أحد، أن نسبة غير المقترعين تعود لالتزامهم بما أعلنه ضيّقو الأفق وقليلو النظر المحدودو العدد، عن مقاطعتهم للانتخاب، إذ من المؤكد أن كل متبصر بالأمور يعلم علم اليقين أن نسبة الذين لم يقترعوا تعود لعدم السماح لهم في البلدان التي يقطنونها، أو نتيجة محاصرتهم في الأماكن التي يأسرهم فيها التكفيريون داخل القطر، ما تسبّب في عدم تمكنُّهم من الوصول إلى صناديق الاقتراع لأكثر من سبب، وقد أظهر لنا الإعلام المحلي والدولي قدوم من استطاع من خارج الحدود عبر الطيران، وقدوم العديد من المقترعين من المناطق غير الآمنة، عبر السفوح والأودية للإدلاء بصوتهم، للتعبير عن موقفهم الوطني الحقيقي المضاد والمناوئ للتكفيريين القتلة والتعكيريين الجهلة، والتأييد لمن سيكون على يده تحقيق النصر والخلاص، إقراراً منهم بالنعمة التي كانوا بها قبل هذه الحرب العدوانية، وهم ينشدون ويدعون لعودة البلد إلى ما كان عليه، مقتنعين أن المطلب الأمني في طليعة مطالبهم.
إن جميع المواقف الاجتماعية والسياسية المشرّفة، تستوجب من جميع الذين شاركوا فيها أمس، أن يسلكوا ما يماثلها في الجانب الاقتصادي غداً، فتحقيق الأمل، يتطلّب المزيد من العمل باليد، وخاصة أنه مسبوق بالقول الحسن، والضمير الحيّ، والجميع معنيون بإعادة البناء، لكافة المرافق الخدمية والدور السكنية والمنشآت الإنتاجية والخدمية والإدارية، فالذين رفعوا العلم السوري ورفعوا صورة الرئيس الذي منحوه ثقتهم، دون أن يتلَّقوا أمراً أو توجيهاً من أحد، عليهم أن يمسكوا المعاول والمطارق والمناجل وكل أدوات البناء والإنتاج، ويتوجَّهوا إلى ميادين البناء والإنتاج، ما كان منها لصالحهم الخاص، وما كان منها لصالح القرية أو الحيّ حيث يسكنون أو لصالح المنشأة التي يعملون فيها، والاستعداد للانتقال -تكليفاً أو تطوعاً- إلى مكان آخر في ضوء الاستطاعة والحاجة.
وعلى الذين كان حضورهم السياسي والاجتماعي يتمّ عبر التنظيمات التي ينتسبون لها، أن يكونوا في الطليعة ليكونوا القدوة لغيرهم، وليثبتوا فعلاً أن أقوالهم مقترنة بأفعالهم، وأنهم مؤمنون وملتزمون بما تنصّ عليه أنظمة منظماتهم من منطلقات وطنية، فإن كان النصر السياسي والعسكري استغرق سنوات، يجب ألا يستغرق النصر الاقتصادي أكثر من أشهر، وليساهم كلّ منا بإعادة بناء ما تضرر وبناء الجديد، وهذا خير تعبير عن حبِّ الوطن وحبِّ قائده.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية