ثقافة

من الأسماء القليلة التي تقوم بتصنيع الدمى إيمان عمر: الدمى لمعالجة صعوبات النطق لدى أطفال التوحّد

مسرح الدمى من أقدم الأنواع المسرحية التي تستهوي الكبار، والصغار على السواء، مع أن التوجه الحالي لها يكاد يجعلها مقتصرة على الأطفال، وذلك لتعلقهم بها لما تقدمه لهم من متعة وتسلية، وكذلك فائدة تربوية وتعليمية، ومن هنا تبيّن إيمان عمر، وهي من الأسماء القليلة جداً التي تقوم بتصنيع الدمى في سورية، أن مسرح العرائس والدمى يقوم بوظائف عديدة تربوية، واجتماعية، ونفسية، وتثقيفية، ويُعدّ قناة أخلاقية تنقل مجموعة من القيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة إلى الطفل من أجل تغيير سلوكه إلى ما هو أفضل وأحسن، كما يمكن للأطفال ممارسة اللعب التمثيلي عبرها، وهذا راجع لحبهم لها، وتؤكد عمر أن فكرة التمثيل بالعرائس من شأنها أن تعوّض العمل بما يسمى اللوحة الوبرية المتبعة في السنوات التعليمية الأولى كوسيلة تعليمية.
ومن هنا تشير إيمان عمر إلى أن مسرح العرائس يلبي رغبات الطفل الشعورية واللاشعورية، ويحقق له توازناً نفسياً من خلال تخليصه من مكبوتاته الدفينة، والمترسبة في عالمه الجواني، وجدانياً، وعضوياً، كما يحرره من قيود الذات، وضغوطات الأسرة، والشارع، والمدرسة، والمجتمع على حد سواء، عبر ممارسة اللعب بها، أو المشاركة في الفرجة الدرامية التي تُقدَّم له بطريقة فنية وجمالية، تقوم على الإضحاك، والتسلية، والترفيه.

مع أطفال التوحّد
وتبين عمر أن عملها في مسرح العرائس، واختصاصها بتحريك الدمى، كان أحد أسباب اختيارها من قبل أحد الأطباء للعمل مع أطفال التوحّد، لأن هناك مرحلة من مراحل العلاج تعتمد على استخدام الدمية لمعالجة صعوبات النطق لدى أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، حيث يتمكن المعالج من التواصل مع هذا الطفل عبرها، لأنها تمنح الطفل الأمان والراحة، ولذلك يخضع لأوامرها، ويقلّد ما تقوم به من أفعال، ولا تنكر عمر أن التعامل مع هؤلاء الأطفال أمر غاية في الصعوبة، ولا يبدد ذلك إلا نجاح المعالج في الوصول إلى نتيجة مُرضية، موضحة أنها استخدمت الدمية في معالجة صعوبات النطق، والتأتأة، والنُذُر التوحيدية، والخجل، وكان دورها، حينما عملت في مدرسة خاصة بأطفال التوحد، تعليم الأطفال على تسلسل أفعال حياتهم الشخصية، وعلى تقوية شخصيتهم، وسرد القصص لهم عن طريق الدمى، بحيث تحركها باليد مع الأصوات التي تناسب القصة، وقبل القيام بسرد القصة تقوم بتحويرها على المستوى الذي يتناسب مع عقل وحركات هؤلاء الأطفال لكي تدخل عقلهم بطريق سريعة وبسيطة، وعند نهاية تمثيل القصة يقوم أحد الأطفال بتقليد الصوت والفعل الذي قامت به الدمية التي يحبها ويعرفها من القصة، وحين ينجح بذلك تشعر بسعادة الإنجاز حتى لو كان بسيطاً.

تجربة خاصة في صناعة الدمى
تشير إيمان عمر إلى أنها بدأت بصناعة الدمى بأشكال بسيطة، وأول دورة خاصة في مسرح العرائس شاركت بها كانت في معهد أدهم اسماعيل، والثانية في مسرح العرائس، لتبدأ بعدها في صناعة الدمى، إلى أن دعاها المخرج مأمون الفرخ للمشاركة في مسرحية “توبة الثعلب” التي كانت أول عرض مسرحي لها في هذا المجال، بالإضافة إلى مشاركاتها الخارجية الأخرى في صناعة الدمى في دور الأيتام، والروضات الخاصة، وكانت عبارة عن دمى حيوانية نالت إعجاب الجميع، مبينة كذلك أن الحظ حالفها في صناعة الدمى الملبوسة، وهي دمى كبيرة، ودمى الجاوية، وهي نوع من أنواع الدمى التي تقدم الممثل والدمية معاً على المسرح، كما شاركت في مسرحية “مطر مطر” إلى جانب عملها في مسرحية “التنين يبحث عن صديق”، وعرض آخر في لبنان قامت فيه بصناعة دمى إنسانية، ونالت القبول والإعجاب، كما تشير عمر إلى تجربتها البسيطة مع السينما من خلال ثلاثة أفلام للمؤسسة العامة للسينما.

صنع الدمى والعرائس
ولإعداد القصة الطفلية، وتحضيرها فنياً وجمالياً من البداية حتى النهاية، تؤكد إيمان عمر على ضرورة احترام خطوات التحبيك الدرامي التي تتمثل في العناصر التالية: “الاستهلال-العقدة-الحل”، وهذا يعني برأيها أن اللاعب أو المخرج أو المؤلف عليه أن ينسج مسرحية تتوافق مع خيال الطفل المخاطَب فيختار اللاعب مسرحية تتناسب مع عمر وميول الطفل الوجدانية والنفسية والشعورية والذهنية، وبعد ذلك يختار الشخصيات التي ستُنجَز داخل العرض المسرحي، كما ينتقي الفضاء الذي ستدور فيه الأحداث، والأهم أولاً وقبل كل شيء صنع الدمى والعرائس التي تتناسب مع بيئة الأطفال الاجتماعية، والنفسية الأخلاقية، وكذلك التي تتلاءم مع عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم داخل مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، وبعد تصور مضامين المسرحية وأجوائها التخيلية يستحضر صانع الدمى الأدوات والوسائل التي سيصنع بها الدمى، فيرسم الوجوه والأشكال والأجساد على السبورة أو يخطها في شكل بورتريهات على الأوراق، فيلوّنها بشكل مسبق، ويحدد ملامحها بدقة مضبوطة، وبعد ذلك ينتقل إلى الممارسة العملية، فيبدأ في صنع الدمى والعرائس، اعتماداً على تقاسيمها وتفاصيلها المرسومة على الورق، فلو قرر صنع دمى بالقماش فهذا يحتاج إلى خطوات مختلفة عما لو قرر صنع دمى الماريونت، وهذا يعني أن صناعة الدمى لها خصوصيتها، وتحتاج الى وقت وتركيز عند البدء بالعمل بها، وتبيّن عمر أن قلة أعداد مصنّعي الدمى يعود لقلة المهتمين بمسرح العرائس، وقناعة البعض بأن مشاهديه محدودو العدد.

على مستوى التحريك
هناك أنواع عدة للدمى حسب إيمان عمر على مستوى التحريك، فمنها ما يُحرَّك أمام الجمهور مباشرة بواسطة خيوط، ومنها ما يُحرَّك بأيدي اللاعبين ذاتهم، ونوع آخر يدخل في داخله الممثلون، وهي الدمى الكبيرة والضخمة التي تتجاوز المتر والمترين والثلاثة أمتار، وهناك الدمى التي تُثبَت على عصا فتُحرَّك بواسطة قضبان حديدية أو خشبية، والدمى القفازية التي تُحرَّك بواسطة اليد عن طريق إدخال اليد والأصابع داخل الدمية، ودمى الخيوط التي تُحرَّك بواسطة خيوط مشدودة إلى أطراف الدمية، ويحركها اللاعبون من أعلى الخشبة، أما اليوم فيمكن تحريك الدمى والعرائس عن بعد بواسطة وسائل الكترونية متطورة جداً.
ولأن إيمان عمر من المحركين الأقصر طولاً في مسرحنا تلبس كما تشير حذاء بارتفاع معيّن حسب ارتفاع البرفان، وتحمل الدمية وتحركها باستمتاع كبير حسب دورها، مؤكدة أنها ما إن تفعل ذلك حتى تشعر أنها والدمية شخصية واحدة، منوِّهة إلى أن محرك العرائس يجب أن يتمتع بالطول المناسب، والرشاقة في الجسد، وحب المهنة، والحس العالي أثناء التحريك، والحماس لأي جديد في هذا المجال.
وتختم عمر كلامها بالتأكيد على أننا في هذا المسرح نحتاج إلى خبراء في تحريك الدمى، حيث يتم الاعتماد في مسرحنا على نوعين من الدمى هي: الجاوية، والقفازية التي يحتاج تحريكها إلى استقدام خبير، أو أن يتم إرسال أحد عناصر الفريق إلى الخارج كي يأتي بالخبرة في التصنيع، والتحريك، ولتدريب المحركين فيما بعد على أنماط جديدة من الدمى.
أمينة عباس