الصفحة الاولى

محاكمة قادة حركة الاحتجاجات الشعبية تفضح ديكتاتوريته .. أردوغان يحوّل القضاء إلى سلاح في وجه خصومه

تحوّل رفضهم السلمي لإقامة مركز تجاري في ساحة تقسيم، إلى عمل إجرامي بنظر قضاء رجب طيب أردوغان، حيث وجّهت محكمة جنايات اسطنبول أمس إلى 26 عضواً من الجمعية التي قادت العام الفائت احتجاجات لمنع تحويل حديقة غيزي إلى مجمع تجاري تهم وصلت لحد اتهامهم بتشكيل شبكة إجرامية من شأنها أن تزعزع أمن البلاد، وطالبت بعقوبات سجن تصل إلى ثلاثة عشر عاماً، الأمر الذي يفضح النزعة “السلطوية” لأردوغان.
نعم هذه هي الحرية التي يطالب بها الطاغية أردوغان لشعوب المنطقة، فكل مواطن يرفض أحكامه العثمانية هو مجرم وإرهابي والقضاء جاهز ليقتص منه، فهو جهد دوماً لإيهام شعبه أن القضاء هو صاحب كلمة الفصل، وهو كسلطة تنفيذية ينفذ ما يطلب منه القضاء، ولكن الشعب التركي والمنظمات الأهلية والمعارضة دحضت ادعاءاته، وكشفت محاولاته للسيطرة على القضاء، الذي حوّله بدعوى الإصلاح إلى سلاح متقدّم في وجه خصومه، ومنها خطوته الأخيرة التي قام بها بإجراء سلسلة من التبديلات شملت أكثر من ألفي قاض، ليتخلّص من أنصار الداعية فتح الله غولن، ويحلّ مؤيديه مكانهم، إضافة إلى آلاف من ضباط الشرطة وممثلي الادعاء وإقالة مسؤولين كبار في مؤسسات حكومية.
وقالت متحدثة باسم الجمعية الطبية التركية: إن هذه المحاكمة “ستبقى في التاريخ وصمة على جبين هذا البلد، فهي محاكمة العار، وتكاد تكون فضيحة”، مشيرة إلى أن “ما يحاكم اليوم هو الحرية والديمقراطية والسلام، لكن لا يمكن لأحد أن يمنعنا من مساعدة أصدقائنا في الشارع”.
وبدأت حركة الاحتجاج الشعبية في تركيا أواخر أيار 2013 بتعبئة مجموعة صغيرة من الناشطين المؤيدين للبيئة ممن يعارضون إزالة حديقة غيزي القريبة من ساحة تقسيم في اسطنبول، حيث تحوّل الحراك بعد تدخل عنيف من شرطة أردوغان فجر الثالث عشر من أيار إلى موجة من الاحتجاجات الشعبية لا سابق لها ضد تسلّط حكومة أردوغان، وطيلة ثلاثة أسابيع شارك أكثر من 3.5 ملايين تركي في مئة مدينة في تظاهرات واجهتها سلطات أردوغان بقمع عنيف، ما أسفر عن مقتل 8 أشخاص على الأقل وأكثر من 8 آلاف جريح وتوقيف آلاف الأشخاص.
وطالبت إحدى المتهمات موتشيلا يابيشي (63 عاماً) أمام القضاة بتبرئة شاملة وسط تصفيق من الحاضرين، وقالت يابيشي، التي ترأس نقابة المهندسين المعماريين في اسطنبول: لا يمكن تشكيل تنظيم إجرامي عبر القول أنا أرفض إقامة مركز تجاري.. إنه أمر سخيف تماماً.
والخميس نددت يابيتشي بالعنف الذي استخدمته الشرطة أثناء تفريق التظاهرات، وكذلك بموقف رئيس الوزراء “الذي ظن أنه فوق القوانين”، وأضافت: “لقد أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في وجهي، والأصدقاء الذين جاؤوا للدفاع عني أصيبوا بجروح بالغة”، وتساءلت: “إذا كنا نحن منظمة إجرامية، فما نوع المنظمة التي تشكلها الشرطة التي قتلت 12 من أولادنا”؟!.
من جهته قال المتهم الآخر رئيس نقابة الأطباء علي جركس أوغلو: الهدف الوحيد لهذه المحاكمة هو تجريد حركتنا من مصداقيتها عبر الدفع للاعتقاد بوجود منظمة إجرامية، لكن هذا الأمر ليس له أي تبرير قضائي.
وبنفس اللهجة وجّه المتهمون الآخرون الذين توالوا على الكلام أمام المحكمة أصابع الاتهام إلى الحكومة، وقال بيزا متين مسؤول نقابة المهندسين في اسطنبول: “اذا أردتم رؤية شخص ما يغذي العنف والحقد، يكفي الاستماع لخطاب رئيس الوزراء”، مضيفاً: “إنه هو من تسبّب بكل تحركاتنا وتظاهراتنا، وهو المسؤول الوحيد عن كل ما حصل”.
وقبل الدخول إلى قصر العدل وسط حماية من أجهزة الأمن، اعترض المتهمون أيضاً على الملاحقات بحقهم ووجّهوا أصابع الاتهام إلى الحكومة، وقالوا في بيان أمام ناشطي “تقسيم-تضامن”: إن “هذه المحاكمة ستبقى وصمة في تاريخ هذا البلد. إنها محاكمة العار وتعتبر أشبه بفضيحة”، وأضافوا: إن أردوغان الذي يواصل قمع المتظاهرين في الساحات وحكومته هما اللذان يجب أن يكونا في قفص الاتهام بتهمة المساس بالديمقراطية ودولة القانون.
وقال أحد أعضاء جمعية “تقسيم تضامن”، ويدعى تيفون كرامان: إذا التزمنا بالقانون من غير الممكن أن تتم إدانتهم، وتابع: لكن الحكم وكما نعلم سيكون سياسياً ويمكننا توقّع أن تتم إدانة أبرياء، فيما أكد باكي بوا المحامي والمتحدّث باسم الجمعية التركية لحقوق الإنسان أن “الهدف الوحيد للمحاكمة هو تخويف الناس، وأضاف: إنهم يريدون أن يظهروا أنه بالإمكان ملاحقة أي شخص أياً كان عمره أو مهنته لمجرد مشاركته في تظاهرة.
وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن أكثر من 5500 شخص أحيلوا أمام القضاء لمشاركتهم بشكل أو بآخر في التظاهرات، وبعضهم لمجرد قيامهم بإعادة إرسال تغريدات تدعو إلى النزول إلى الشارع.
من جهته، ندد الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان في تقرير صدر في الآونة الأخيرة بـحملة القمع المنظمة التي تشنها السلطات ضد كل أشكال المعارضة ضدها، وذلك بعد صدور قوانين جديدة تعزز الرقابة على الشبكات الاجتماعية والقضاء.
ومع فضيحة الفساد، التي هزت أعلى هرم الدولة هذا الشتاء، اعتمدت الحكومة سلسلة قوانين عززت قبضتها على القضاء وشبكات التواصل الاجتماعي.
وفي إطار الإجراءات العقابية التي تنتهجها ضد معارضيها ولفرض سيطرتها على أجهزة الدولة، أجرت حكومة أردوغان سلسلة جديدة من التبديلات شملت 2224 قاضياً، وتعد هذه السلسلة الجديدة من التبديلات هي الأوسع التي تفرضها حكومة أردوغان منذ اندلاع فضيحة الفساد.
ومنذ نهاية العام الماضي أمر أردوغان بحملة تطهير واسعة في الشرطة، حيث أقيل أو نقل ستة آلاف موظف، وفي الجهاز القضائي، حيث يتمتع أتباع غولن بنفوذ كبير.
وأكد مراقبون أن أردوغان عطّل سيادة القانون وقلب نظام العدالة الجنائية بأسره رأساً على عقب عبر سلسلة من مشاريع القوانين المستعجلة في البرلمان التركي، وأنهك قوات الشرطة بفرض عدد غير مسبوق من التعديلات وتقييد استقلال ونزاهة القضاء، وذلك من أجل إنقاذ نفسه وأفراد أسرته والمقربين منه في مجتمع السياسة ومجتمع الأعمال من التجريم في تحقيقات الفساد.