ثقافة

تجارب تشكيلية مبشّرة: حسان جربوع وسامي الكور نموذجاً

يبرع الفنان حسان جربوع في التوغل، مغامراً في تصوراته البصرية ومرتسماته الملونة التي تنتمي إلى فطنة يمتلكها في مجال التلوين والبحث في المؤثرات اللونية النابعة من وجدان ينازعه البحث النفسي عن تأثير اللون والخط في عين المتلقي الباحث عن مصادفات جميلة تأخذ به إلى أبعد من لوحة مرسومة لهدف محدد تقارب العفوية المدركة لما هو باطن من المساحات المتآلفة  فيما بينها بروح من التأليف الملون بتلقائية المصادفة التي تنضج عاقلة بيد الفنان الخبيرة، مما يتطلب منه متابعة الخبير للأقاصي المغلقة على الوضوح والمنطق المباشر للوحة والعمل الفني، هذا التصوف الذي ينتسب إليه يتجلى في لوحته النهائية، حيث يقف المتلقي بحيرة أمام  العديد من الصور المتدفقة والمواربة أمام نصوص من الأدب والبلاغة والشعر الفصيح لوناً والغني بخيالاته البعيدة، حيث يتردد المعنى بين الشيء وحقيقته.
الفنان الشاب حسان جربوع أحد أولئك الفنانين الذين تطربهم المغامرات الجديدة والتي تختلف عن النمط المألوف والسائد لبقية تجارب أبناء جيله من الخريجين الجدد، وخاصة خريجي قسم التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة، فنجده في مجموع ما أنجز عبر الأنشطة التي شارك فيها خلال العام والتي تنوعت بين المشاركة في معرض جماعي مع زملائه، وملتقى الجلاء للفنانين التشكيليين الشباب، ومعرض الربيع أيضاً، يدرك المتابع لأعمال هذا الفنان أنه يمتلك ميزة خاصة توسمه بهوية محددة تقترب من طابع التجريب والبحث الجاد في قيم العمل التشكيلي المنتسب للتصوير أساساً والمحمول على غنائية لونية وعاشقة، مما يجعل منه حالة واعدة ومبشرة في التشكيل السوري القادم، كما أنه يمتلك مفاتيح غنية ورافدة لتجربته أهمها: ثقافته البصرية والنظرية وما يمتلك من رؤية نقدية ومراقبة لأعماله، فضلاً عما يتمتع به من روح جماعية متعاونة مع أقرانه والمجتمع، فدفء عاطفته يضعه مكان المتلقي أثناء إنجاز اللوحة، وتعده بتلقي ما هو جديد من تجارب فنية يحكمه الحرص على التعاطف الخلاق معها، وعلى تطوير أدواته وفتح آفاق جديدة أمام حواسه المبدعة المتمكنة من موهبة واضحة تستحق أن تنمو وتنتج الجميل.
بينما نرى الفنان الشاب سامي الكور ينتمي إلى عالم المدرسة الفنية التعليمية التي تركت بصمتها القوية بشخصيته الفنية، فالعديد من الفنانين الشباب وخاصة خريجي قسم التصوير قلما نجد من تحرر من أثر أساتذته فيه، ونخص بالذكر التأثير الكبير للأستاذ الفنان علي السرميني في العديد من الفنانين الخريجين، والفنان الكور هو أحد أولئك الشباب الذين تميزت تجربتهم في التصوير بروح تعبيرية عالية، تتجلى في الخط واللون والسطح الغني بالعجينة اللونية المتنوعة والدسمة، فهو الرسام المتمكن من تصوير المشهد الذي يستهدف تجسيده على اللوحة، فواقعيته التي ينشدها في التصوير لا تنحصر بتقاناتها التسجيلية الحرفية المغرقة في التفاصيل الدقيقة، بل بالواقعية المحتشدة بانفعالاتها القوية التي تغلفها أناقة باذخة في اللون والظل والنور والكتل القوية في توازنها وفي انسجامها البليغ مع بقية المفردات الأخرى في اللوحة، ويختلف هذا الفنان عن أقرانه بما يمتلك من روح تعبيرية حاشدة في اللوحة تحققها طريقته الرشيقة في الرسم، حيث يراعي بعين خبيرة المسافة والعمق في المشهد والحالة الفيزيائية للملونات الأخرى كل حسب حالته، فخبرته في رسم الطبيعة والأماكن والمشاهد الخلوية تجعل منه رساماً من نوع آخر، يصل إلى أبعد من عين رائية فقط، تضعه في تماس قريب مع روحية الأماكن الأثيرة والمستهدفة في اللوحة من خلال تحليله لمقومات الصورة الأنبل والأكثر بلاغة. فالانفعالات الصريحة واضحة في ضربات الفرشاة المتكررة وبالاتجاهات التي تؤدي دورها الحامل لنبض الفنان، فلا تفاصيل تغرقه بهامشيتها، على العكس من ذلك يبدي احتراماً لحريته في الحركة السريعة والواثقة لخطه ولونه الذي يختار موقعه، واحترامه للحظة الطازجة المنفعلة مع اللوحة أثناء التنفيذ. موضوعاته بسيطة غير معقدة، لا تأليف في بلاغة الأشياء أكثر مما يحتمل من عاطفة، تغويه الحالة الأيقونة في العمل الفني، فالظل والنور، ومجموع الألوان الحارة والباردة مجموع باذخ للوحته العامرة والمبشرة بقدوم فنان ينتظره المزيد من التألق والنجاح.
أكسم طلاع