ثقافة

“البروكار تاريخ وجذور” دعوة لإعادة إحياء الحرف التقليدية

دمشق التي احتضنت الحرف التقليدية وحملتها معها تراثاً وتاريخاً وارتكزت عليها اقتصادياً وثقافياً، لن ترفض أي محاولة لإعادة الرونق واللمعان لحرف كادت أن تنسى في ظل وجود الآلة، فدمشق كما عرفناها أصيلة بحرفييها وحِرفِها، وفي ندوة “البروكار تاريخ وجذور” تم عرض أصول حرفة البروكار ومكانتها، إذ رأى الباحث محمد الفياض أن البروكار حرفة غنية عن التعريف، والحديث عنها له شجون، وهو جسم رقيق يتكون من خيط واحد متشابك مع بعضه أو مجموعة خيوط طويلة تتقاطع مع خطوط عريضة. ويختلف المنسوج بشكله وملمسه تبعاً لتقاطع الخيوط وقد ارتبط النسيج بمدينة دمشق كونها أقدم عاصمة في العالم. وأصل كلمة بروكار أجنبي، ويقال إنه كردي، فهذه المهنة وجدت منذ 5 آلاف عام مع اختلاف التسميات في كل عصر، ويقال إن الموطن الأصلي لهذه الحرفة هو الصين، ولفت الفياض إلى أن اليونسكو صنفت الحِرف التقليدية ضمن التراث غير المادي، على الرغم من كونها ملموسة لكونها تحمل مهارات وابتكارات وصوراً، وبعض الخطوط، وترافقها أمثال وأغان شعبية .

الفرق بين الحرفي والصناعي
وفرّق الفياض بين الحرفي والصناعي، فالحرفي يعمل بمنشأة حرفية لا يتجاوز عدد أشخاصها 9، بينما الصناعة تكون في مكان أوسع وأكبر، ونوه إلى أنه من الصواب أن نقول “حِرف تقليدية” وليس “صناعة حرفية”، كما تحدث الفياض عن صناعة الحرير في العصور القديمة، حيث تشير المخطوطات القديمة التي اكتشفت في إيبلا إلى أن أهم الصناعات التي ازدهرت حينها هي صناعة المنسوجات، كما أن الكتابات تشير إلى أن الحرفيين السوريين هم سادة صناعة الصوف، وأن الصناعات السورية انتشرت في بقاع العالم منذ بداية التاريخ، وقارن الفياض هذه المرحلة مع مرحلة العصور الإسلامية، حيث أصبح للمهنة مراكز كثيرة، ووجدت نماذج مختلفة لهذه الصناعة، وبدأ اتصال الشرق مع الغرب في بلاد الأندلس، ومنذ ذلك الحين سمى المؤرخون جميع الطرق التي تربط الشرق بالغرب بطريق الحرير، الذي أصبح رمزاً للتبادل الثقافي والتجاري.

بلاد الشام مهد الحِرف
وأرض بلاد الشام أنتجت أفضل أنواع النسيج، وصدّرته لكل أصقاع العالم، وأكثر المدن التي اشتهرت بها هي مدينة “أعناك” في حوران –حسب ما أشار الفياض- وأيضاً بعلبك التي عرفت بثيابها المنسوبة إليها، بالإضافة إلى اشتهار “النسيج المنبجي” نسبة إلى مدينة منبج، وكذلك دمشق اشتهرت بصناعاتها الحريرية الراقية وسميت “القيمرية” بالهند الصغرى لاشتهارها بتجارة المنسوجات، ولم ينس المحاضر ذكر الأسر الدمشقية التي زاولت المهنة وعززت مكانتها مثل أسرة عبد المجيد الأصفر وهو الرجل الدمشقي الذي اخترع نوعاً قماشياً نافس الحرير الانكليزي، وكذلك أسرة الروماني وتوفيق وكحالة وأسرة بولاد التي لها باع طويل في الحرفة، وأبدى الفياض حزنه لأن عدد “النول” انخفض من 3 آلاف نول في عام 1926 إلى ما لا يتجاوز الخمسة في يومنا هذا، بعد أن مر بمجموعة مراحل من النول اليدوي إلى النصف الآلي انتهاء بالآلي.

أمثال شعبية
وكأي حرفة تاريخية، ارتبطت حرفة البروكار بمجموعة أغان وأمثال شعبية، وقد اقتبس الفياض بعض الأمثال المتعلقة بها مثل “يا باني حيط من خيط” للدلالة على صعوبة الأمر واستحالة تنفيذه، و”يا متفنن بالنول الشغلة مو بالقول” للدلالة على ضرورة ربط القول بالفعل وغيرها.
وختم الفياض قائلاً: دمشق كانت حاضنة لمعظم الحرف التقليدية، وسورية هي موطن ومهد الحرف، وتستند تجاربها إلى فترة زمنية موغلة في القدم، وهي من أشهر البلاد في الصناعات التقليدية وبالحرفيين المهرة، وأبدى أسفه لأن أكثر هذه الحرف معرضة للزوال، نتيجة عزوف الشباب عن تعلم الحرف والانفتاح على الأسواق العالمية المنافسة، وعدم وضع استراتيجيات هامة للنهوض بهذا القطاع.

مهارة الحرفي السوري
من جانبه اعتبر الحرفي إبراهيم الأيوبي أن الحرفي السوري أمهر حرفي في صناعة النسيج، وأشار إلى أن البروكار كان يحمل اسم (ديباج) قديماً وكان عبارة عن رسوم بسيطة فقط إلى أن جاء الحرفيون الأكراد وطوروا الحرفة وآلاتها، وذكر الأيوبي تجربته الشخصية فجدّه وهو حرفي سوري أنتج بيده فستان تتويج ملكة بريطانيا، والفستان موجود إلى يومنا هذا في متحف في لندن كتحفة فنية، وهذا أعظم دليل على براعة الحرفي السوري، ودعا المسؤولين إلى ضرورة دعم الحرفة وإحيائها.

تراجع  الحرفة
أما الحرفي محمد رنكوس فرأى أن المهنة تراجعت إلى الوراء بعد أن كان لها عصرها الذهبي وذلك نتيجة نقص المواد الأولية واحتكار خيط الحرير وعدم إنتاج كمية كافية للسوق. وأشار إلى أن هناك سبعة أصناف من النسيج تشتهر بها مدينة دمشق هي (الديما، الألاجا، الدامسكو وغيرها) والمواطن العادي لا يستطيع التمييز بين أنواع النسيج وبين اليدوي والآلي، كما أن البروكار هو عبارة عن خيط قصب بلون الذهب أو الفضة، وفي يومنا هذا لا يحتوي أي نسبة من الذهب.
كما تضمنت الندوة شعراً شعبياً للشاعر محمد خالد رمضان وعزف على الربابة للعازف عجاج حماد. وعلى هامش الندوة تم افتتاح معرض يحتوي نماذج لنسيج البروكار واستخداماته المختلفة والعصرية.
لوردا فوزي