ثقافة

ديمة داوودي بروحها الثامنة : تواجه السوريالي والغرائبي الذي يحصل في سورية

على الرغم من أن أي كاتب  يتنقل في بداياته بين أجناس أدبية مختلفة إلا أن الرواية  تبقى المحطة الأكثر سحراً وإغراء التي يتمنى النزول بها ليتنفس الصعداء بملء رئتيه وليقول كل ما يريد قوله بالشكل الذي يريده، ولهذا لم تشذ الكاتبة ديمة داوودي عن هذا التمني الذي يتمناه كل كاتب فتؤكد في تصريح لها للبعث على هامش الندوة النقدية التي عُقِدت مؤخراً في مركز ثقافي المزة حول روايتها الأخيرة “الروح الثامنة-ما بعد موت ما قبل حياة” بمشاركة الناقد عماد فياض أن كتابتها للرواية جاءت بعد تجارب لها في مجال الشعر والقصة، حيث كان لا بد من الرواية التي تفتح الأبواب أمامها على مصراعيها فكانت روايتها الأولى “الروح الثامنة” وهي كما تصفها رواية اجتماعية ذات منشأ سياسي لأنها تتحدث عن الأزمة التي تعيشها سورية، ولا تنكر أنها ترددت بدايةً في تناول الأزمة وذلك لصعوبة أن يكتب الكاتب عن حدث مازال يعيشه، إلا أن تجاهل ما يحدث أمر غير مقبول برأيها، لذلك أصرّت على فعل ذلك من خلال إبراز الأزمة الإنسانية، موضحة أن الكاتب يجب أن يتناول الحدث الذي يعيشه لأن تناوله بعد فترة قد يضيع الكثير من التفاصيل العامة التي لا يمكن أن يلتقطها إلا أثناء الحدث.. من هنا وجدت أنه من الضروري أن تكتب عن الحدث في وقته لكن دون فرض الكاتب لوجهة نظره الشخصية، وهذا لا يحدث برأيها إلا إذا نجح الكاتب في الخروج من ذاتيته ليتحدث عن الأزمة بكل أبعادها .

وتبين داوودي أن روايتها من أوائل الروايات التي تحدثت عن الأزمة السورية وبجرأة كبيرة ولا تنكر أن البعض اتهمها بالتسرع في حينه، إلا أنها لا تشعر بذلك لإيمانها بأنها قالت كل ما عندها وكل ما تريد في الوقت المناسب بعد أن شعرت أنها لا تستطيع الانتظار، ولقناعتها بأن القارئ يجب أن يعرف ما يحصل ولماذا، مع تأكيدها على أن الأدباء يجب أن يكونوا حاضرين في المشهد السوري، وخاصة في ظل الأزمة السورية الصعبة التي يعيشها الشعب السوري .
أما على الصعيد الفني فتشير داوودي إلى أنها اعتمدت على الصور والتشابيه والمشهدية، وقد أرادت توصيف الفكرة بإحساس عالٍ ليصل ما تريد قوله بشفافية عالية، منوهة  بأن الرواية نالت الرضى من قبل النقاد، وهي راضية عما قيل فيها حتى الآن .

تقنيات السرد
أما الناقد عماد فياض فيبين في قراءته النقدية التي قدمها في الندوة أنه وإن كان هناك ما يشبه التأتأة أو البطء في السرد بالصفحات الأولى من رواية “الروح الثانية” /ما قبل موت ما بعد حياة/ وتردد الكاتبة بين استخدام الفصحى أو العامية في حوار الشخصيات، إلا أن ذلك لم يطل كثيراً حين حسمت الأديبة داوودي أمرها واستخدمت الحوار العاميّ دون إفراط لنقل حرارة الحدث، مشيراً إلى أن الرواي يتناوب على السرد في الرواية وهو عليم بكل شيء لتضيء ندى بطلة الرواية التي تتحدث عن ذاتها وعن الشخصيات الأخرى للجوانب التي لم يتطرق إليها، مبيناً فياض أنه من اليسير أن نكتشف أن ندى بطلة الرواية ليست سوى قناع للكاتبة التي تأخذ من الحدث اليومي والسيرة الذاتية، أي سيرة السارد وتنفخ في هذه السيرة روح الرواية وأن الراوي ليس سوى البطلة ندى بحيث تكون وظيفته تغطية جانب من الحدث وذلك لإعطاء فرصة لندى حتى تلتقط أنفاسها وترتاح قليلاً من العناء اليوميّ الذي يوجع الرأس .

رواية تيار الوعي
ويشير فياض كذلك إلى أن رواية “الروح الثامنة” /ما قبل موت ما بعد حياة/ واحدة من روايات تيار الوعي في مواجهة  السوريالي والغرائبي الذي يحصل في سورية، لذلك فإن بطلة الرواية ندى ولكي تتوازن لم يكن أمامها سوى الهذيان وإطلاق العنان لأفكارها لأن الرواية هي رواية الغربة والاغتراب الذي تعانيه ندى فلا ينفع معه سوى هذا النوع من الهذيان الذي يفيد في وصف الحالة السورية الراهنة حيث كل ما نجده من اضطراب وتشوش وتكسّر في شخصية ندى ليس سوى صدى لما يتكسر في الوطن ومعادل موضوعي له .
ويوضح فياض أن تيار الوعي في الأدب هو تقنية تسجل الأفكار والمشاعر المتعددة لشخصية ما دون اعتبار للجدال المنطقيّ أو التسلسل السرديّ ويحاول الكاتب بواسطة  هذا التيار أن يعكس جميع القوى الخارجية والداخلية المؤثرة على نفسية الشخصية في لحظة محددة، مشيراً إلى أن رواية هذا التيار ظهرت في الغرب بعد الحرب العالمية الأولى والثانية بسبب ما خلّفته من أزمات نفسية سيئة على الفرد وخصوصاً على الكتّاب ليتضح أن رواية تيار الوعي هي رواية الضياع والأزمات النفسية التي تتركها الحروب والصراعات .
وباتجاه آخر يرى فياض أن الشخصيات الرئيسية في الرواية وإن كانت قليلة إلا أنها كافية لوصف الحالة السورية الراهنة، فالبطلة ندى مأزومة، خائفة، متشظية، لا سبيل لها للتغلب على كل ذلك الخراب المزدوج : الخارجي المحيط بها، والداخلي الذي يدمرها إلا بهذا الهذيان، لذلك هي دائماً تتكلم مع نفسها ومع الآخرين والأشياء فتتشظى إلى عدة شخصيات، وبالتحليل الدقيق نكتشف برأي فياض أن ندى المنكسرة ليست سوى الوطن المضطرب المجروح .
وما يؤخذ على الرواية –كما يشير فياض- تلك الاستطالات والدوران حول نفس الفكرة بعد منتصف الرواية بقليل والتمحور في المكان فلا خروج ولا دخول، معتقداً أن هذا ربما يكون ناتجاً عن الحالة الملتبسة بما فيها من هذيان وضياع وتشتت، مبيناً أن هذه الاستطالات أثّرت بلغة الرواية فظهر عليها التعب والترهّل .
ويختتم فياض كلامه بأنه وعلى الرغم من كل ما سبق تبقى رواية “الروح الثامنة” ذات خصوصية على صعيد اللغة وطرائق السرد والغوص في الحدث الراهن وما تمر به سورية بعيداً عن متاهات اللوم أو التفلسف والتنظير .

أمينة عباس