ثقافة

مسلسل “لــــــو” فيلم أمريكي لثلاثين يوماً فقط!!

زحام درامي محموم لا يهدّىء من لهاثه المضطرب إلا انقطاع التيار الكهربائي في سورية، إلا أن المتابع للأعمال الدرامية العربية بمختلف ما تعرض، كان على موعد مسبق مع إعلانات ترويجية لبعض أكثر هذه الأعمال بذخاً بالإنتاج، واستقطاباً لنجوم الدراما على الساحة السورية والعربية بشكل عام، حيث عملت بعض القنوات المعروفة بإغداقها العطاء على هذه الصناعة الثقيلة، أقصد الدراما الرمضانية، على أن تستأثر بالأعمال التي تضم الممثلين الذين أصبحوا علامة تجارية فارقة في هذه الصناعة كما أشرت، إذ يكفي مثلاً أن تعلن أية قناة فضائية بأن بعض النجوم السوريين سيكونون على شاشتها في هذا الموسم، حتى تصبح متابعة ما تعرضه فرض واجب بسبب الإثارة، والتشويق الذي تحمله تلك الأعمال، كما اعتاد المشاهد العربي عليها في الآونة الأخيرة، فهو يدرك مسبقاً ما إن يرى من سيشارك في هذا العمل أو ذاك، أنه على موعد مع قصص غرامية ملتهبة، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى: خيانات زوجية، مشاهد ساخنة، نجمات أو “براندات”  مشهورة، كما أحب أن أسميهم، يتصدرن الشاشات بأحدث الأزياء العالمية، نجوم باتوا أيضاً بدورهم نوعاً من الترويج لماركة فرجوية معينة، فمثلاً النجم السوري “عابد فهد” الذي أطل الموسم الماضي في المسلسل “المتأكشن” السوري المصري اللبناني المشترك، “لعبة الموت”، يطل هذا الموسم بعمل درامي “لو” الذي لا يختلف عن سابقه، كما توحي الأحداث التي بدأت تتكشف منذ الحلقة الأولى لعرضها، فهو نموذج للرجل البرجوازي الذي يعيش حياة فارهة مع زوجة آية في الجمال، إلا أن الظروف الدرامية تضعه دائماً بمقام الزوج المخدوع، الزوج الذي سوف تخونه زوجته بعد قليل.
لا تختلف السياقات الدرامية التي سوف تقدم لنا هذا النموذج كثيراً عن بعضها بطرحها لما ستؤول إليه حاله، أو السبب في ذلك، ففي الموسم الفائت رأيناه رجلاً قاسياً تخونه زوجته بسبب غيرته الشديدة، والآن نراه رجل عائلة من الطراز الأول، إلا أن خيانة زوجته له جاءت من انهماكه في عمله على حساب مشاعرها.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن العمل “لو” ومنذ الحلقة الأولى، بدا باستغباء الجمهور، عندما قدم نفسه “لن نقول سرقة أدبية موصوفة” على أنه لكل من “بلال شحادات– نادين جبر” دون أية إشارة إلى أن فكرة العمل مأخوذة بحرفيتها من الفيلم الأجنبي  “Unfaithful” للمخرج “Adrian Lyne” وبطولة النجم العالمي “ريتشارد غير” الذي يأخذ دوره هنا “عابد فهد”، والنجم “اوليفر مارتينز”، ويقوم بتقليده الفنان “يوسف الخال” مع اختلاف بسيط في مهنة كلا الرجلين، ولكن ما علينا سنقول بنية حسنة إن الكاتب والمخرج و”كاست” العمل برمته لم يروا هذا الفيلم، وبالتالي لم يدركوا أنهم يقدمون محاكاة للمحاكاة التي قدمها الفيلم، وأغلبنا كما أعتقد يعرف رأي المعلم ” أرسطو” في المحاكاة وجدواها، فما بالنا بمحاكاة المحاكاة.
ما يمكنني فهمه من “لو” وإخوانه، أن الاستسهال والاستهتار بالقيمة الفكرية لمضمون الدراما، وبدورها التنويري الذي أشك شخصياً بوجوده وبجدواه الآن، بات هو من يحكم هذه الأعمال، بمعنى “أعطني براندات– نجوم التمثيل” ومالاً وفيراً للإنتاج، أعطك عملاً متابعاً جماهيرياً مهما كان الطرح ساذجاً، ما يعني غلبة الصورة المشغول عليها بعناية، إن كان باللقطات المصورة بأحدث الكاميرات، أو بالمونتاج، وإضافة المؤثرات البصرية، والسمعية عالية التقنية، وبالممثلين الذين صاروا جزءاً لا يتجزأ من هذا المشهد العام لواقع الدراما العربية بشكل عام، على ما كان سابقاً هاجس هذا الفن، المقولة الفكرية، والطرح الإنساني، والمتعة الروائية، أو الحكائية التي قدمتها الدراما السورية منذ مطلع ظهورها حتى زمن ليس بالبعيد جداً كي ننسى.
ماذا يريد “لو” أن يقول للجمهور العربي المخضب بالدماء “من ساسو لراسو”، وبزمن صار فيه مشهد ذبح إنسان، من المشاهد المعتادة؟ تفضلن أيتها الجميلات وارتمين بحضن أول وسيم تجدنه بحال تعرضتن للإهمال من أزواجكن؟ ألا ليت شعري إن كانت له مقولة أساساً.
هل يريد أن يقول شيئاً آخر؟ حسناً عرفنا العبرة العجيبة التي يريد عابد فهد، وسامر برقاوي، ويوسف الخال، والليدي نادين نجيم قولها منذ الحلقة الأولى، لذا أقترح على المحطات العارضة أن توفر وقت هذا العمل للمسابقات الرمضانية المحكومة من شركات الاتصالات الرابحة سلفاً، فذلك على الأقل ضحك على اللحى مخبأ بـ “يانصيب السحب”، أما الضحك على العقول المكشوف ومنذ اللحظات الأولى لعمل سيمتد على ثلاثين حلقة، فهذا غير مقبول بالنسبة للكثير من السوريين على الأقل، وهنا لابد من السؤال: ما الغاية من إغراق الممثلين السوريين الذين صنعوا عبر مسيرتهم الطويلة في هذا المجال أسماء يحترمها عقل المشاهد العربي قبل عينه، في دوامات الدراما الآنية، لنقارن مثلاً بين الدراما الروائية التي قدمتها الشاشة السورية في العديد من مفاصلها، وبين الدراما التي تعمل محطات النفط على ترويجها وتقديمها لمحو البصمة السورية الخاصة في هذا الفن، والغريب أن هناك من لا يريد أن يقتنع.
أيضاً سؤال يطرح نفسه بقوة الآن، كما قلت في ظل الفظائع التي ترتكب بحق الشعب السوري، والتي ترعاها القنوات ذاتها التي ترعى مسلسلات “هات ايدك والحقني”: من هو الجمهور المستهدف بهذا العمل، وبأشباهه، “سنمر عليها لاحقاً، أعدكم بذلك”؟ أنا أعرف.. فهل تعرفون؟!.
تمام علي بركات