محليات

بين قوسين الخبز العلفي..!

مؤلمة تلك الحقيقة التي نحاول إخفاءها.. ومؤسفة تلك الأرقام التي نعرف مدى مصداقيتها، ولكننا لسبب ما نعمل على تجاهلها وإغفال تداعياتها الاقتصادية والتغاضي عن واقعة استنزافها للمقدرات الوطنية وتهديدها للأمن الغذائي.. وطبعاً إثبات حجم الهدر في نعمة الخبز لا يحتاج إلى عمليات حسابية كثيرة أو الاستعانة بخبراء وباحثين وأكاديميين بل كل ما نحتاج إليه هو المراقبة الذاتية لكميات الخبز التي نتحمّل مسؤولية هدرها في بيوتنا، حيث تكفينا مشاهدات عينية يومية لتلك الأكياس المتخمة بمادة الخبز والموجودة بجانب حاويات القمامة لنقرّ بما نفعل تحت عنوان الفائض بالكسرات اليابسة أو بربطات الخبز الكاملة التي ترمى كما هي بحجة أنها بائتة من يوم سابق، وخاصة مع تفشي ثقافة التخزين والشراء بكميات كبيرة دون وجود ما يبرّر ذلك!.
نعم الشواهد كثيرة والحقائق والوقائع واضحة لا لبس فيها، ولكن بالرغم من أن الأزمة عصفت برغيف خبزنا أكثر من مرة وهدّدت بفقدانه.. ورغم جسامة التحديات التي تقف في وجه الحكومة لتأمينه بهذه الأسعار الفريدة في العالم أجمع، إلا أن هذه المادة بقيت ومازالت ضمن دائرة الخطوط الحمراء التي لا يجوز المساس بها أو حتى التفكير بدراسة صوابية بقائها أو حتى البحث بجدوى إلغائها تحت أي ظرف أو لأي سبب كان.
ولاشك في أن استمرار مسلسل الهدر والتعامل بهذه البساطة مع خسائر قطاع صناعة رغيف الخبز، يستدعي الوقوف مطولاً عند كيفية معالجة معضلة “الخبز العلفي” أولاً، ومن ثم العمل على إنهاء مسلسل الهدر الكبير الذي لا تقع مسؤوليته على الحكومة وحدها، بل هناك مسؤولية جسيمة على المواطن الذي اعتاد الهدر والاستخفاف بالتكاليف، وبحجم الدعم الحكومي المقدّم لتأمين الخبز بأسعاره الحالية والتي كانت سبباً رئيسياً في زيادة الخسائر التي تصاعدت أرقامها لتدخل دائرة العجز الاقتصادي القاتل الذي ينبئ بتلاشي منظومة الدعم بالكامل وانهيار أهم مقومات الأمن الغذائي والقرار السيادي الذي دفعنا من أجله ثمناً باهظاً من دماء شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم ليمدونا بالعزيمة وليعززوا فينا إرادة الصمود والتصدي.
وبنظرة متأنية وبقليل من البصر والبصيرة نرى أنه من واجبنا وفي هذه الظروف الصعبة أن نقف مع أنفسنا ومع حكومتنا كمواطنين، وأن نطالبها باتخاذ القرار الذي يضمن استمرار وجود رغيف الخبز على موائدنا وإلغاء بعض الخطوط الحمراء التي تسهم أحياناً في زيادة الهدر الاقتصادي.

بشير فرزان